رم - الدكتور محمود عواد الدباس.
ذهب الملك إلى الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع . فحقق إنجازان اثنان يحسبان له. إنجاز اقتصادي وآخر سياسي . في الجانب الاقتصادي حيث حضر توقيع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الأردنية مع الاتحاد الأوروبي بقيمة (3) مليار يورو على مدار ثلاثة سنوات متواصلة( 2025-2027م ) . وبكل تأكيد فإن التوقيع على هذه الاتفاقية كان هو الرد السريع جدا على القرار الأمريكي والذي تمثل بتعليق المساعدات الأمريكية المقدمة سنويا إلينا لمدة ثلاثة شهور للمراجعة كما فعل ترامب مع الغالبية العظمى من الدول التي تتلقى مساعدات من أمريكا بهدف إخضاعها سياسيا بشكل استباقي . أيضا فإن توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي هو في ذات الوقت يعد انجازا سياسيا كبيرا من حيث إيجاد داعم دولي لرؤيتنا لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حيث باتت رؤيتنا تقترب كثيرا مع رؤية الاتحاد الأوروبي . في الوقت الذي تتباعد رؤيتنا عن الرؤية الأمريكية بما يخص الموضوع نفسه .
في مزيد من التفاصيل حول الاقتراب الكثير ما بين رؤيتنا نحو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع رؤية الاتحاد الأوروبي . فإن ذلك يقتضي شرح بسيط عن الفرق ما بين رؤية الاتحاد الأوروبي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى بما يخص مواصفات الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية أو الحكم الفلسطيني . مع أن هذا الفرق لا يبدو أنه من الناحية اللغوية أنه يعكس اختلاف بينهما .
لكن الحقيقة تؤكد هذا التباين أو الاختلاف . مما يجعل الطرح الاوربي أقرب إلى التصور الفلسطيني و الاردني و العربي . طبعا كثيرون جدا لا تستوقفهم هذه الجزئية . وهي الأرض التي تقوم عليها الأرض الفلسطينية . كما أنني كنت من أولئك الذين لا يستوقفهم ذلك الاختلاف . لكان كانت الصدفة هي وراء إدراكي لذلك الاختلاف . حيث كنت قبل سنوات أواظب على قراءة المجلة الثقافية التي تصدر عن الجامعة الأردنية . في هذه المجلة بحكم أن رئيس التحرير هو أستاذ في اللغة الإنجليزية . لذلك كثرة الترجمات من الإنجليزية إلى العربية بما يخص القضية الفلسطينية. في أحد أعداد هذه المجلة وجدت هذا الاختلاف .
بحسب الموقف الأوروبي فهنالك قناعة لقيام الدولة الفلسطينية على (أراضي متجاورة) . فيما يقوم الموقف الأمريكي اقلها في سنوات ماضية على فكرة ( أراضي متصلة ) . وهنالك فرق ما بين المصطلحين. ذلك أن الأراضي المتصلة ليست متجاورة لكن بينها ممرات تصل بينها . فيما الأراضي المتجاورة لا تحتاج ذلك فهي من اسمها متجاورة . على صعيد الواقع كانت ولا تزال الوقائع على الأرض تسير نحو أراضي متصلة وليست اراضي متجاورة . فهذا ما يتم في الأرض الفلسطينية . حيث يتم تقطيعها لكي تنتقل من واقع أنها متجاورة كي تصبح أنها متصلة .
و السبب هو المستوطنات التي مزقت وحدتها . لذلك باتت متصلة عبر ممرات و انفاق و ليست متجاورة كما كانت . في نقطة الاختلاف الأخرى بينهما واقصد الاتحاد الأوروبي و امريكا وهذه النقطة نذكر بها على عجالة ولا تحتاج إلى شرح كثير وهي جزئية التهجير السكاني .فلم يصدر عن الاتحاد الأوروبي طروحات تطالب بتهجير الفلسطينيين بينما أمريكا الجمهورية تسعى لذلك وتعلن عنه . علاوة إلى ذلك لم يتخلى الاتحاد الأوروبي عن دعم ( الأونروا ) والتي تقدم مساعدات الى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وأما التطور الأكبر داخل دول الاتحاد الأوروبي بحسب دراسة اطلعت عليها وهو اعتراف (4) دول من دولة الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية مع إشارات من ( 9) دول اخرى من دول الاتحاد اعترافها بالدولة الفلسطينية بذلك يتوقع أن يرتفع عدد دول الاتحاد الأوروبي المعترفة بدولة فلسطين إلى( 13 )من أصل( 27) دولة هي عدد دول الاتحاد الأوروبي.و ليصبح الرقم على الصعيد العالمي من حيث عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية هو (146 )من أصل( 193) دولة عضوة في هيئة الأمم المتحدة . ولا يفوتني الإشارة هنا إلى الاتحاد الأوروبي لم يؤيد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل في العام( 2017م) وبالتالي لم يكرر ما فعله ترامب .
نعود إلى الرسائل السياسية من توقيع اتفاقية الشراكة الأردنية الأوروبية . هنا نقوم ان ما قام به الملك أنه لا يعد أنه انقلابا على أمريكا . بل إنه من أجل إحداث توازن دولي معها ساعده على ذلك التحولات السياسية داخل دول الاتحاد الأوربي و اقترابها أكثر مما سبق من المطالب الفلسطينية مقارنة مع مواقف أمريكا . يعني ذلك أن تناقضاتنا مع الاتحاد الأوروبي في الملف الفلسطيني هي أقل كثيرا أن وجدت بالمقارنة مع تناقضاتنا المتسعة مع الأمريكان في هذا الملف . وفي ذات الاتجاه فليس في أوروبا تطابق كامل مع الرؤية الإسرائيلية بما يخص الملف الفلسطيني . لكن مع الامريكان هنالك تطابق اسرائيلي امريكي . من هنا يمكننا القول إن توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تأتي استكمالا لحلقات تأسيس (جدار الممانعة) للطروحات الأمريكية بما يخص القضية الفلسطينية .
سبق ذلك التنسيق مع مصر على الصعيد العربي و مع تركيا على الصعيد الإقليمي . مع الإشارة إلى أن التنسيق مع مصر أكثر قوة من التنسيق مع تركيا. مع التذكير أن هذه الأطراف الثلاثة تعتبر الأكثر تفاعلاً مع القضية الفلسطينية . فالأردن ومصر كجوار سكاني . وتركيا كنفوذ إقليمي كما أن هذه الدول الثلاثة ترتبط باتفاقيات سلام مع إسرائيل . مع التذكير هنا إلى أن النقص الوحيد في هذا التحالف هو ترتيب الملف الفلسطيني الداخلي كي يكون منسجما وعضوا في هذا المحور الجديد. ( الأردن - مصر - تركيا - الاتحاد الأوروبي). بهدف كبح الجموح الأمريكي في نسخته الحالية المنحازة إلى إسرائيل تماما . ولا تراعي مصالح الآخرين .
ختاما . ما قام به الملك خلال الأسابيع الثلاثة .جعل منه مرتكز أساسي في إنشاء التحالف الدولي المناقض لطروحات ترامب التي تخص القضية الفلسطينية . والنتيجة من كل ذلك إلى الآن . أن الأردن وفي حواراته القادمة مع ترامب سيكون ندا في نقاط الاختلاف التي تخص صيغ حل القضية الفلسطينية مستندا الى دعم الحلف الدولي الذي أنشأه . ولم يعد مضطرا أن يكون تحت الضغط الأمريكي عبر الأدوات الاقتصادية من أجل تبني الرؤية الأمريكية لمستقبل الأردن و فلسطين معا .