أكمة: إصدار جديد في القصة القصيرة جدا للكاتب الدكتور حسين جداونه


رم -
صدرت حديثّا المجموعة القصصية أكمة ـ قصص قصيرة جدا للكاتب الأردني الدكتور حسين جداونه في كتاب إلكتروني، وهي المجموعة القصصية الخامسة عشرة ضمن مشروعه الإبداعي في السرد الوجيز: القصة القصيرة جدا. يضم الكتاب مئة نص، ويقع في مئة وإحدى عشرة صفحة من القطع المتوسط، الطبعة الإلكترونية الأولى 2025م.
تشتبك المجموعة القصصية (أكمة) بموضوعات تتعلق بالجوانب الإنسانيّة والاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية والاقتصادية، عبر معمار قصصي قصير جدا.
فقد كان الواقع السياسي وآثاره الجانبية ماثل في المجموعة عبر عدد من النصوص مثل: أكمة وأخوة وشاشة ونصر وترويض وعلقمة وقسطرة وغيرها من النصوص. وظلت الموضوعات المتعلقة بالهموم السياسية مهيمنة على المجموعة كما في النصوص: ربّ مريب واختيار ودلال وتحرر وشفافية وبراءة واستقامة وجريمة ونصيحة وغيرها من النصوص. وحضر الجانب الاجتماعي والإنساني وقضايا الفرد والجماعة والمرأة عبر مجموعة من النصوص مثل: رؤية شرقية وخريف وإنسانية وعزاء وكرامة والآخر ومواطنة وسماحة وذنب وغيرها من النصوص. وحضرت الأم في المجموعة كونها رمزًا أساسيًّا متجذرًا في وجدان الإنسانية فتمثلت عبر عدد من النصوص مثل: تلك الرائحة ويقين وفطرة وفقد ورؤيا وغيرها من النصوص. وتمثل الجانب الفكري والتأملي من خلال مجموعة من النصوص مثل: خلق واغتيال ورحلة وصداقة وروم ومصير والآخر وفلسفة، وإذعان ورحيل وسلطان وخيار وإبداع واحتمالات. واندغم الهم الفردي بالهم الجماعي فتمثل ذلك عبر مجموعة من النصوص مثل: حقل ومعاناة وحلم وحذر ومكانة ورابط وحلقة وخيبة ووعي وتعرية وإذعان وعرّافة وفجوة ووعي وضمير ووصاية.
فنصوص المجموعة وليدة ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية وثقافية ونفسية تنضح بالهموم والإحباط مقابل لحظات مسروقة من الحبور والأمل على المستوى الفردي والجماعي، فثمة قلق روحي وانكسار نفسي وآفات تنهش الإنسان ليل نهار تهيمن على أجواء المجموعة.
تعالج المجموعة القصصية موضوعاتها المتعددة عبر معمار قصصي مبني على الحكائية والتكثيف والوحدة والمفارقة والجملة الفعلية (المشهدية والحركة)، ويدعم هذه الأركان عناصر وتقنيات فنيّة أهمها الإيجاز والتلميح والسخرية والإدهاش والانزياح والإرباك وانفتاح النص، وتعمل جميعها متآزرة لخلق نص قصصي يؤثّر في المتلقي، ويحرّضه على المشاركة في إعادة بناء النص من خلال الفجوات والفراغات التي تشكل مكوّنًا أساسيًّا لبنية النص القصصي.
فلا قصة قصيرة جدا من دون حكاية أو قصصية. لكن حكاية القصة القصيرة جدا تختلف عمّا سواها من الفنون القصصية، فهي هنا لا تحكى لذاتها، ولا يقصد الكاتب أن يحكي حكاية، ولكنها تأتي متماهية بالحدث المشهدي فتذوب في النص، وتكمن في السرد كالروح في الجسد، يحسّ القارئ بها ويدركها من خلال أثرها في النص، فإذا نزعت منه فارقته الحياة وأصبح جثة هامدة، لكنها في الوقت نفسه ليس مطلوبًا منها الشخوص والظهور وإن فعلت أحيانًا؛ لذا فمن الطبيعي أن يبدو كثير من نصوص القصة القصيرة جدا وكأنها تخلو من حكاية تحكى، أو نظنها كذلك.
وتتناول القصة القصيرة جدا فكرة محدّدة أو شريحة محددة المعالم لكنها تنطوي على العام بالخاص وعلى المنطلق بالمقيّد وعلى المفتوح بالمغلق، عبر معالجة لغوية فنيّة متكئة على معايير قصصية ناجزة. وهذه الفكرة ينبغي أن تكون جوهرية وواحدة وعميقة، وينبغي أن تكون الفكرة واضحة في ذهن الكاتب، سواء أكانت ظاهرة متجلية في النص أو مخفية كالروح تسري بين السطور، وهي واضحة في أبعادها العامة لكنها تترك للقارئ مساحة للتأويل وملء الفراغات، وإكمال تفاصيلها الدقيقة.
والتكثيف عنصر مهيمن على سائر العناصر في القصة القصيرة جدا. فتبدو الفكرة مكثفة عبر تسليط الضوء على لحظة مفصلية معينة وعميقة، تتجاوز الزمانية والمكانية، لحظة للتأمل الفلسفي أو التجربة الإنسانية الشاملة.
وتنبع جمالية القصة القصيرة جدا من أسلوب بنائها، الذي يوازن بين التكثيف الذي يشمل جميع عناصر النص والإيحاء؛ لخلق حالة ذات أثر عميق، تغلفها غلالة رقيقة من الغموض الشفاف، فلا تقدّم إجابة مباشرة، ولا تغلق المعنى، بل تحفز خيال القارئ على أن يكمل المشهد أو اللوحة، وفق أدواته الثقافية؛ ليكون شريكًا في إنتاج النص.
وهي قصة تعتمد في بنائها السردي على المفارقة، التي تعوّض تطور الحدث. فالقصة القصيرة جدا لا تهدف إلى تطور الحدث إلا بالمقدار الذي يخدم اللحظة المشهدية لكيلا تتماهى (بالقصة القصيرة).
وتعتمد القصة القصيرة جدا على فعلية الجملة (ما يحدث)، بمعنى أن جملها تكون حيويّة ديناميكية، تبني الحركة والإحساس، بسرعة ومن دون زوائد، محدثة تأثيرًا كبيرًا في وقت قصير، الأمر الذي يجعل المتلقي يعاين التجربة ويشعر بها ويعيشها بسرعة، ويركز على جوهر القصة. والاعتماد على فعلية الجملة نتيجة لهيمنة التكثيف على جميع عناصر القصة؛ إنها قصة المشهد والحركة والحدث وليس الوصف.
ومن أهم عناصر القصة القصيرة جدا الدهشة، وهو المفاجأة التي تكسر توقعات المتلقي، فتجعله يتوقف للتفكير والتأمل في قضايا وجودية وإنسانية عميقة، وهي دهشة تقلب القصة رأسًا على عقب، وتمنحها تأثيرًا قويًا على الرغم من قصرها، وهي دهشة قد تجعل القارئ يعيد التفكير في أفكاره أو معتقداته.
وتفتح الانعطافة والتحول المفاجئ في سرد الحدث أو المشهد عبر القفلة غير المتوقعة أمام القارئ أفقًا جديدًا لفهم النص وتأويله والتأمل فيه.. وكل ذلك مرتبط بفلسفة الكاتب ورؤيته الفكرية والفنية؛ لذا فالقصة القصيرة جدا تعبير عن رؤية فلسفية عميقة تنبع من محاولة احتواء اللحظة الإنسانية وتكثيفها في مشهد أو فكرة تستحق التأمل من خلال لغة مكثفة مشحونة بدلالات عميقة تتجاوز معانيها الظاهرة، فهي دعوة للتأمل في الحياة نفسها، وفهم المعنى الكامن وراء تفاصيلها الصغيرة.
مجموعة " أكمة" القصصية انطلقت من كل هذه الأدبيّات التي ميّزت القصة القصيرة جدا عن غيرها من فنون السرد، وتولدت عن مرجعياتها النقدية وفق رؤية الكاتب الفكرية والفنية.



عدد المشاهدات : (940)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :