رم - ماهر ابو طير
إغراق الأردن بموجات اللجوء، تسبب بضغط هائل على خاصرة الاردن الاقتصادية، إضافة إلى ما يتعلق بالحسابات الداخلية الامنية والاجتماعية، ومنسوب التذمر والسخط الشعبي.
عشرات الجنسيات العربية الاسلامية مصنفة قانونيا باعتبارها من اللاجئين تعيش وتعمل في الاردن، حتى تحول الاردن الى ساحة لتفريغ الشحنات الكهربائية الفائضة في الاقليم، والمنطقة العربية، وإذا كان الامر يبدو اجتماعيا بكونه عملا خالصا لوجه الله، حيث لا يمن احد على احد على مستوى التعاملات اليومية بين الناس، الا انه من ناحية اقتصادية واجتماعية بات يصنع ازمة حادة، وليس ادل على ذلك من ازمات الاردن امام ندرة المياه، مثلا، وقلة فرص العمل، وتراجع المساعدات، وكلف ادامة الخدمات والبنى التحتية، وما يتعلق بالعلاج.
الاردن بين خيارات صعبة، اذ لو تشدد ضد اللاجئين لتم اتهامه بالعنصرية وضيق الافق، ولو تلطف لتم اتهامه من مواطنيه بكونه يفرط بمصالح مواطنيه وعلى حسابهم، ولو توسط بين الامرين لضجت المنظمات الدولية، وسودت سمعة الاردن في التقارير الدولية، ولو بقي متفرجا لتضاعفت كلفة هذه الازمات على المدى البعيد، ولو تذمر واشتكى لتم اتهامه بكونه يجمع المال ويتكسب على ظهور اللاجئين ويستثمر في مصائب الجوار دائما لجمع المال، وهو كلام سمعناه مرارا، فهو وسط خيارات صعبة جدا، في ظل اقليم يتفنن بانتاج الازمات.
بين يدي ارقام العائدين من الاشقاء السوريين بعد سقوط نظام الاسد في السابع في كانون الاول 2024، وهذه ارقام دقيقة حتى نهاية دوام يوم الواحد والثلاثين من شهر كانون الثاني 2025، اي قبل ايام، حيث تكشف المعلومات ان مجموع الاشقاء السوريين الذين عبروا الحدود البرية الاردنية السورية منذ سقوط النظام، الى ما قبل يومين تقريبا بلغت 102 الف سوري، اغلبهم من السوريين الذين يقيمون خارج الاردن اصلا وقدموا من دول اوروبية وعربية الى الاردن للمرور فقط، نحو معبر جابر، وبعضهم عاد لاحقا ودخل الاردن وغادر الى البلد الاصلي الذي قدم منه، بجوازه الاحنبي، او حتى بجواز سوري مع اقامة خارجية.
من بين 102 الف شقيق سوري ٣١٤١ سوريا من سكان المخيمات السورية في الاردن، و٢٤٢٨١ سورياً ممن يعيشون داخل المدن الاردنية اي ان عدد اللاجئين الفعليين الذين غادروا الاردن كبلد مضيف هو مجموع الرقمين السابقين، اي ٢٧٤٢٢ سوريا، وبالتاكيد هذه الارقام ارتفعت قليلا مع آخر التحديثات، لكنها لن ترتفع بشكل كبير، ويضاف الى ما سبق عدد الذين يغادرون حاليا بواسطة الطيران من عمان، وبعضهم قادم من دول ثانية، حيث ان مطار الملكة علياء هنا محطة وصول كترانزيت فقط للوصول الى دمشق او حلب.
ماتزال اسباب بطء العودة قائمة، اذ اغلب العائلات تنتظر نهاية الفصل الثاني من المدارس، كما ان العامل الاقتصادي يلعب دورا، حيث يعمل اغلب السوريين هنا، والاقتصاد داخل سورية لا يأتي الناس بالقمح لمعاجنهم، وبرغم فرض تصاريح العمل على السوريين وتوجه كثرة للمغادرة بسبب التصاريح، الا ان البعض يفكر بكيفية تعويض قيمة التصريح والبقاء في الاردن، كما ان من اسباب بطء العودة، عدم وجود مساكن، او هدمها كليا او جزئيا داخل سورية، وتفشي اعمال الثأر والانتقام في بعض المناطق، والمخاوف من انفلات امني شامل في اي لحظة، وسط كلام سائد في اوساط السوريين في الاردن، ان الاردن قد يفرض رسوما مالية مختلفة على طلبة المدارس الحكومية السوريين، بحيث يصير وجودهم صعبا، اضافة الى ما يتردد من مخاوف حول قطع مفوضية شؤون اللاجئين للمساعدات المالية عن السوريين في توقيت قريب، خصوصا، اذا تم رفع العقوبات ولو جزئيا، وبدء مشاريع اعمار في سورية.
للمفارقة يشتد ضغط هذا الملف في توقيت تهدد فيه واشنطن بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة الى الاردن، ووسط تجاوز دولي لحق العودة، وهو حق لكل من تهجر من فلسطين، وهي تعقيدات تلتقي في تواقيت متقاربة، بحيث يقف الانسان اليوم امام محن انسانية من جهة، مثلما تضغط عليه العاطفة بحق الاشقاء في كل مكان، فيما يطرقه واقع الاردنيين على وجهه بشأن حياتهم ومستقبل بلادهم، وآخر ما ينقصنا اليوم هو اذكاء التلاوم الداخلي ازاء كل هذه الاوضاع التي نجمت عن سياسات وازمات متتالية، ونحن امام مسرب اجباري للبحث عن حلول جذرية، دون تعسف، او اذى، او تورط في محاولات البعض لترسيم الاردن بصورة الكاره لغيره، وهو امر غير صحيح بطبيعة الحال، وليس عدلا ان يتم وصف الاردن به.
ستتضح الصورة النهائية بنهاية شهور الصيف المقبل.