رم - احمد عبدالباسط الرجوب
ما إن دلفت قدما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثاني إلى عتبات البيت الأبيض حتى بدأ بإطلاق تصريحات مثيرة تعكس توجهاته العدوانية في المنطقة. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فها هو يعود إلى استعراضاته المقيتة وتصريحاته المتسرعة، التي تشبه بندقية رشاش تنطلق طلقاتها بشكل عشوائي، مهددة كل من في مرماها. في هذا السياق، نستعرض مشهدين بارزين من هذا السعار الأمريكي المتجدد:
أولًا: التدخل السافر في الشأن اللبناني
أثارت تصريحات مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي للإشراف على لجنة وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، موجة من الغضب والاستياء. فمن المفترض أن تكون مبعوثة دولة كبرى تحترم الأعراف الدبلوماسية، لكنها تصرفت كمستوطنة إسرائيلية تبجّح علنًا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، موجهة شكرها للكيان المحتل على قتل الآلاف من اللبنانيين وتدمير منازلهم، مما أثار استهجانًا سياسيًا وشعبيًا واسعًا في لبنان.
لم تكتفِ أورتاغوس بتجاوز اللياقات الدبلوماسية، بل تعدّت ذلك إلى التدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية، متجاهلةً سيادة الدولة التي تتحدث منها، ما دفع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون إلى التبرؤ من تصريحاتها. هذه السلوكيات الأمريكية لم تكن مستغربة، لكنها تؤكد مرة أخرى أن الولايات المتحدة لا تعترف إلا بمنطق القوة، حتى لو كان ذلك على حساب الأعراف الدولية والدبلوماسية.
ثانيًا: هذيان ترامب حول شراء غزة
في مشهد آخر من الهذيان السياسي، عاد ترامب ليطلق تصريحًا غريبًا حول "شراء غزة وامتلاكها"، مشيرًا إلى إمكانية منح أجزاء منها لدول أخرى لإعادة بنائها. وكأن القطاع المحاصر، الذي عانى من عقود من الاحتلال والعدوان، أصبح سلعة في سوق عقارات ترامب!
طرح هذا التصريح تساؤلات ساخرة حول من يبيع ومن يشتري، وكأن التاريخ يعيد نفسه في شكلٍ مشوّه من الاستعمار الجديد. هل يظن ترامب أنه بماله يستطيع شراء الأوطان؟ وما لم يأخذه الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح، هل يمكن أن يناله بالصفقات المالية؟
إن تناقض الموقف الأمريكي صارخ؛ فمن جهة تدّعي واشنطن الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم، ومن جهة أخرى تزوّد إسرائيل بأحدث الأسلحة التي تفتك بغزة. فكيف لمن يدعم القصف والتدمير أن يتحدث عن إعادة الإعمار؟
الرد المطلوب: دعم صمود غزة وكسر الحصار عمليًا
الرد العملي على هذا النهج الأمريكي المتغطرس لا يكون بمجرد بيانات التنديد، بل من خلال دعم صمود غزة وأهلها، وعدم تركهم رهينة للابتزاز السياسي والاقتصادي. لقد حان الوقت لتفعيل قرارات عربية وإسلامية تكسر الحصار فعليًا، وإلا ستظل كل التصريحات الرسمية مجرد حبر على ورق.
من ناحية أخرى، فإن التحدي الحقيقي أمام المجتمع الدولي هو وقف هذا العبث السياسي الأمريكي. فترامب، الذي فرض عقوبات على أعضاء محكمة العدل الدولية لمجرد محاولة التحقيق في جرائم حرب، لا يمكن أن يكون صانع سلام. بل ربما آن الأوان لنقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى مكان آخر أكثر استقلالية، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية التي تحولت من "حامية الحريات" إلى "حامية العدوان".
ختامًا: تبقى غزة بمقاومتها وصمودها حجر عثرة أمام أوهام الطغاة، ولن تكون لقمة سائغة في مخططات تصفية القضية الفلسطينية. وعلى الدول العربية والإسلامية أن تدرك أن دعم غزة ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لكسر الهيمنة الأمريكية-الصهيونية، وتحويل أحلام ترامب إلى سراب.
باحث وكاتب اردني