رم - لا مبرر للهلع والتخويف والتهويل والمبالغة. ولا مبرر بالمقابل لإظهار تساهل لا في الخطاب ولا في الإجراءات عندما يتعلق الأمر ببناء ملحمي وطني مجددا لصورة رفض الأردن قيادة وشعبا لمخططات التهجير التي يقترحها سمسار العلاقات دونالد ترامب.
على المستوى الشعبي خفة ظل الشعب الأردني ومعطياته المعلوماتية تدلل على نضج في الردود في بعض المفاصل، فقد وضع الأردنيون شعبيا أمام الرئيس ترامب مقترحات عملية قابلة للتطبيق، من بينها أن لديه في الولايات المتحدة مساحات أراض شاسعة فارغة وموارد مالية، ويمكنه بدلا من خلط أوراق الجميع نقل الإسرائيليين إليها.
أحد قادة العمل المعارض اقترح علنا على ترامب نقل ستة ملايين إسرائيلي يحمل أغلبهم جنسيات أمريكية وغربية على حساب بعض الدول العربية الغنية، واقتراح آخر بدا متابعا للمعلومات بصيغة «يمكنك يا ترامب نقل شعب الله المختار إلى جزيرة غرينلاند بعد احتلالها».
خفة الظل تلك تعكس صلابة في موقف الشارع وأبناء العشائر سبقوا أبناء المخيمات في إعلان الرفض حتى أن أدبيات الأردنيين بدت متحدية تشريعيا، وهي تصوغ نصوصا ومقترحات تصل إلى اتهام أي مسؤول بجرم الخيانة العظمى إذا ما فكر يوما بالموافقة على التهجير. بعض الخبراء والنواب نبشوا حتى قانون أصول ومحاكمات الوزراء.
رسالة الشارع الأردني واضحة في السياق وتغلق ملف التهجير على رفضه المطلق بصرف النظر عن النتائج، وما برز بكل أمانة وبساطة أن هذا الموقف الشعبي الصارم تحول إلى ذخيرة حية وقادرة على إصابة أهدافها ليس لتحسين الموقع التفاوضي لدوائر القرار الرسمي فقط، ولكن لتحصين الموقف الرسمي نفسه قبل التفاعل مع جنون ترامب وطاقمه.
لا خلاف إطلاقا لا بصغيرة ولا كبيرة بين الشعب الأردني والمؤسسات الرسمية، فيما يتعلق بالرد على مخططات التهجير تلك بحد ذاتها فرصة جديدة وكبيرة وقيمة أساسية، تبرز معدن وجوهر الأردنيين ومعدن وجوهر اللاجئين الفلسطينيين الذين خاطبوا لولايات المتحدة مذكرين، بأن لديهم حقا في العودة إلى فلسطين المحتلة وليس العكس.
تضرب في هذا الظرف الحساس العديد من معلبات الماضي، فالموقف الرسمي غير قابل للتشكيك ولا للاتهام بعد الآن، والموقف الشعبي قدم بصماته بعمق وصلابة في عمق معادلة القرار السياسي، الأمر الذي يعني مجددا تكريس القناعة بأن قضية فلسطين لا تزال العنصر الأساسي الذي يجمع الأردنيين ويوحدهم.
لا مبرر بالتوازي لإظهار أي تشكيك عبر الإيحاء بمرونة وتسهيلات في بوصلة الموقف الرسمي والمطلوب بناء المزيد من الخطوات الإيجابية على المشهد الوطني الذي أنتجته مقترحات ترامب بدون حتى أن يقصد دلالة على الجهل الكبير لأركان الإدارة الأمريكية في المنطقة وأهلها وتاريخ مجتمعاتها وكيفية التفكير بقناعاتها.
المرأة الفقيرة التي تبرعت بخاتمها لدعم المقاومة في غزة في حي أبناء الطفايلة أحد أفقر أحياء عمان العاصمة، لا يمكنها تفهم تلك التسويات التي يقترحها البيت الأبيض، والأردني الشريف في محافظة الكرك أو في مخيم البقعة الذي قرر إقامة عرس ابنه في عمان وتقديم الطعام في غزة ابتهاجا بالعرس، ليس من الصنف الذي يمكنه أن يظهر ارتجافا أو خوفا عندما يتعلق الأمر بابتزاز الشعب الأردني ومؤسساته.
المساعدات الأمريكية إلى الأردن، ليست قدرا ويمكن طبعا الاستغناء عنها إذا ما صارحت الحكومة الشعب والتزمت بالقواعد التي يرسمها، وهي في كل حال ليست مساعدات مجانية، فثلثها ينهبه الأمريكيون أنفسهم وثلثها الآخر بدون شفافية، وثلثها الأخير يمكن اعتباره الحد الأدنى من الأجور تماما مقابل القواعد العسكرية الأمريكية التي كانت صديقة ومرتبطة بمفهوم تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، قبل تفوه الرئيس ترامب باقتراحاته المكررة المضجرة والتي توافق الأردنيون جميعا اليوم على أنها مريضة ومختلة وخطرة ولا يمكن تنفيذها.
غياب المساعدات الأمريكية فجأة بسبب موقف وطني صارم لعله الهدية الأكبر التي يمكن لرئيس أمريكي يمكن أن يقدمها لشعب الأردن ومؤسساته، وما سجلته مبكرا تاريخيا حماقة ترامب الجاهل في أهل المنطقة وفي الشعبين الأردني والفلسطيني، هو أنها وبصرف النظر عما سيحصل لاحقا بدأت تقنع الأردنيين جميعا بالتفكير والتجهيز للاستغناء عن المساعدات الأمريكية تجنبا لابتزازات المستقبل.
الأردن البلد الأساسي جيوسياسيا للاستقرار في المنطقة والإدارة الأمريكية تعرف ذلك جيدا.
الأردنيون مسالمون ويحبون السلام، لكنهم ينبغي أن لا يجربهم أحد عندما يتعلق الأمر بالهوية الوطنية، فهم مقاتلون شرسون وخبراء وأصحاب مدرسة في البطولة والتصدي، وهي مدرسة في صفوفها وساحاتها، شعب بأكمله يصلي على توقيت المسجد الأقصى، ويعتبر تحريره عقيدة وتقربا إلى الله، وهو التعبير الذي استخدمه علنا الفريق المتقاعد قاصد محمود أحد أبرز المتحدثين الآن باسم الخبرة العسكرية.
الأردن لديه أصدقاء في كل مكان ومواقف قيادته أخرجت مقترحات ترامب مبكرا عن سكتها.
لذلك وبناء عليه علينا العودة الى الرأس البارد، والانتظار والترقب والابتعاد عن التهويل والتشكيك.
بسام بدارين - القدس العربي