لقاء الملك عبدالله مع ترامب ؟.لم يقل ( لا ) ولم يقل ( نعم ). عشرة على عشرة ؟.


رم - الدكتور محمود عواد الدباس.

( 1/6)

الكل أردنيا وعربيا ورسميا و شعبيا كان ينتظر سماع مجريات المؤتمر الصحفي الذي جمع الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الأمريكي ترامب مساء يوم أمس الثلاثاء بالتوقيت الأردني . خاصة وأنه اللقاء الأول في سلسلة لقاءات ترامب مع عدد من رؤساء الدول العربية . لذلك فإن عددا من رؤساء الدول العربية الذين سيكون لهم لقاءات قادمة مع ترامب نظروا إلى لقاء الملك مع ترامب على أنه تجربة يمكن الاستفادة منها حينما يأتي دور كل واحد منهم في اللقاء مع ترامب وربما أن بعضهم كان يتطلع إلى أن يقول الملك كلمة ( نعم ) للرئيس الأمريكي على طروحاته من أجل تحميل الملك مسؤولية تصفية القضية الفلسطينية . أما على الصعيد الشعبي أردنيا و عربيا فقد كان الشارع العربي يريد من الملك أن يقول (لا ) كبيرة في وجه الرئيس الأمريكي ترامب في موضوعي تهجير أهالي غزة و ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية. صحيح أن الملك وقتها إذا فعل ذلك فإنه سيكون في صورة البطل لكنه بكل تأكيد سيدفع الثمن السياسي لاحقا .

(2/6)

في الأسبوع الماضي الذي سبق الزيارة الملكية كان هنالك أصوات قليلة وأنا منها ممن اقترحوا تأجيل الزيارة الملكية إلى واشنطن حيث توجد مقالة منشورة لي في عدة مواقع إلكترونية كان عنوانها ( تأجيل الزيارة الملكية إلى أمريكا… أحد الخيارات) وكان تاريخها( ٥-٢-٢٠٢٥م ). سبقها مقالة أخرى لي اقترحت فيها الابتعاد عن المؤتمر الصحفي في اللقاء مع ترامب حيث كان عنوان المقالة( لقاء الملك مع ترامب ..ثغرة العبور و المؤتمر الصحفي ).في المحصلة قرر الملك الذهاب إلى أمريكا والدخول في مواجهة مع ترامب ؟. قناعتي أن القرار الملكي بالذهاب إلى هناك أنه كان قرار الضرورة و ليس قرار الرغبة . ذلك أن التحدي في هذه المقابلة كان كبيرا جدا . اولا كيف ستخاطب عدة أطراف متناقضة في وقت واحد ويكون الخطاب متوازنا سياسيا وهذه الأطراف هي (الشعب الاردني . الشعب الفلسطيني . الدول العربية . أمريكا . إسرائيل . المنظومة الدولية ). ثانيا كيف نضمن في هذا اللقاء الاستمرار في الحفاظ على المصلحة الأردنية العليا و أن لا يكون الأردن كبش الفداء بناء على تجارب العقود الماضية مع عدد من الدول العربية.هي مهمة صعبة جدا. أما المهمة الاصعب منها فهي كيف سيتم مخاطبة ترامب خلال اللقاء باعتباره رئيس أقوى دولة في العالم وفي ذات الوقت له سمات وصفات شخصية حادة جدا . مما يتطلب الابتعاد عن استفزازه خلال اللقاء خشية حدوث ردة فعل منه غير متوقعة . يعزز ذلك أن ترامب لديه من الجرأة السياسية ما يجعله أن يقول للضيف كل ما يريده أمام الجميع وبدون مجاملات أو اي محاذير . في المحصلة فإن كل التحديات السابقة الذكر تطلبت تجهيز جملة من الاجابات الاحتياطية يتم تمريرها خلال اللقاء تحت عنوان ( فإذا قال كذا...... ساقول كذا) مع التقيد باستخدام أساليب نفسية وتعبيرية دقيقة تضمن تجنب الوقوع في فخ أن يقول الملك (نعم ) أو أن يقول الملك( لا) من أجل البقاء في المساحة الرمادية والتي تتطلب استخدام أسلوب الأبواب المواربة التي تتضمن وجود فتحة صغيرة في الباب للحيلولة دون الاصطدام الكامل مع الخصم علنيا على مرآى من وسائل الإعلام .ايضا هناك أسلوب آخر وهو أسلوب رمى الكرة في ملعب الآخرين والمرتبطة بأسلوب آخر هو المزيد من شراء الوقت . هذه هي الشيفرة التحليلية في فهم كل ما صدر عن الملك خلال اللقاء في المؤتمر الصحفي.

(3/6)

نذهب الى التطبيقات العملية لهذه الأساليب التعبيرية النفسية التي استخدمها الملك خلال اللقاء المشترك مع ترامب في المؤتمر الصحفي .نبدأ في موضوع التهجير السكاني لأهالي غزة . هنا استخدم الملك أسلوب الأبواب المواربة عبر الإعلان عن استقبال( 2000) طفل غزواي مصاب بالسرطان .هذا الإعلان خلق لدى ترامب صدمة إيجابية ساهمت في إيجاد حالة من التخدير السياسي له فقل اندفاعه السياسي الكاسح . أما الأسلوب الآخر في ذات الموضوع فكان أسلوب رمي الكرة في ملعب الآخرين مع شراء الوقت .عندما قال المك علينا الانتظار حتى نرى الخطة المصرية في موضوع غزة كما أن العرب سيأتون إلى هنا للتباحث في هذا الموضوع مع التلويح خفيف الحدة بموقف قد يحدث أردنيا عندما قال الملك إني سأفعل ما فيه مصلحة بلادي . في المحصلة وفي موضوع (غزة) فقد كان واضحا أن الملك تتدرج في الأساليب التعبيرية النفسية التي تعامل بها مع ترامب . والتي شملت ( التخدير السياسي إلى الأبواب المواربة إلى شراء الوقت ورمي الكرة في ملعب الآخرين )!. أما فيما يتعلق بموضوع موافقة ترامب على قيام إسرائيل بضم الضفة الغربية إليها .فقد استوعب الملك تلك الصدمة .نعم إن موقفه الرافض ظهر على ملامح وجهه . لكن الأسلوب التعبيري النفسي الذي استخدمه فكان الذهاب نحو أسلوب رمى الكرة في أحضان الآخرين مع شراء الوقت عندما قال اننا سنجتمع مع ولي العهد السعودي كي نرى ماذا لديه في هذا الموضوع . وإن أي حل يجب أن يراعي مصالح كافة الأطراف .

(4-6)

من الأهمية بمكان أن أعود إلى الوراء قليلا في تفسير أكثر لأسلوب الملك في رمي الكرة في أحضان الآخرين مع شراء الوقت . حينما أشار الملك إلى مصر بما يتعلق بغزة . وأشار إلى السعودية بما يتعلق بضم الضفة الغربية. لعل السبب في ذلك يعود إلى قرارات الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب .ففي ذاك الاجتماع وفق البيان الختامي الصادر عنه تم تكليف مصر بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة . كما تم تكلف السعودية بعقد مؤتمر دولي بما يخص حل الدولتين . أما السبب الآخر لدى الملك في توسيع دائرة اتخاذ القرار عربيا فهو الاستفادة من التجارب الأردنية السابقة . ففي عقود سابقة كان يتم موافقة عدد من الدول العربية على موقف ما ثم يكلف به الاردن . ثم لاحقا و بعد قيامنا بذاك يتم إنكار الموافقة المسبقة منهم من أجل جعلنا كبش فداء . أيضا فإن توسعة دائرة القرار كي يكون قرارا عربيا فهي كي لا نكتشف في وقت متأخر أن الكل موافق سرا على ما سيتم لاحقا وفق المخططات ونقع نحن هنا في الأردن في فخ الاستفراد بنا عندما نكون الوحيدون الذين لم يوافقوا على قرار تهجير سكان غزة أو رفض مخطط تهجير سكان الضفة الغربية و مخطط ضمها إلى إسرائيل .

(5-6)

بعد أن تناولنا ملابسات المؤتمر الصحفي المشترك الذي وصل إلى 19 دقيقة . انتقل الى تصريحات الملك على صفحته الرسمية بعد اللقاء . حينما أكد الملك أنه أعلن للرئيس الأمريكي كافة المواقف الأردنية والمتمثلة (برفض التهجير والتوطين و الوطن البديل و التمسك بحل الدولتين واستمرار وقف إطلاق النار في غزة و ديمومة إيصال المساعدات إليها). بالطبع أن ما كتبه الملك على صفحته الخاصة هي المواقف الأردنية .صحيح أنه لم يقل ذاك داخل المؤتمر الصحفي لكنه تحدث به في الجلسة المغلقة ولو في لحظات قبيل المؤتمر الصحفي بينهما .نستطيع القول هنا أن الملك قد استخدم أسلوبين مختلفين . الأسلوب الأول خلال المؤتمر الصحفي العلني وقد شرحنا ذلك باستفاضة . والأسلوب الثاني الذي استخدمه مع ترامب في اللقاء المغلق بينهما . هذا التباين ما بين تصريحات الملك في المؤتمر الصحفي وما بين تصريحاته في اللقاء المغلق مع ترامب . ومع أنه ليس متناقضا . الا أن الخصوم قد دخلوا من تلك الثغرة . في تحليل دوافع هؤلاء فإن بعضهم كان دافعه أضعاف الملك لأنه في الاتجاه المعاكس لهم. بعضهم الآخر لأنه لم ينجح في جعل الملك يقع في المصيدة السياسية إذا قال ( نعم ) على توجهات و طروحات ترامب وان يحمل الملك وحده وز تصفية القضية الفلسطينية . و حيث أن الملك قد تمكن من عبور حقل الألغام بنجاح . وقتها جن جنونهم فحركوا الاعلام الأسود من أجل استهدافه .لكنهم وبكل تأكيد انهم لم ينجحوا في ذاك.


(6-6)

ختاما . لقد اختلفت الأساليب التعبيرية و النفسية التي استخدمها الملك عبدالله في تعامله مع ترامب في اللقاءات المشتركة بينهما ما بين الرئاسة الأولى وما بين الرئاسة الثانية . في الرئاسة الأولى كان أسلوب الملك مع ترامب كان أسلوبا مباشرا . والسبب أنه و في لقاءات الرئاسة الأولي كان الاتفاق بينهما على عدة قضايا مع تباين على قصة واحدة . أما في الرئاسة الثانية فإن مساحة الاختلاف بينهما كبيرة جدا . مما تتطلب استخدام أساليب نفسية تعبيرية جديدة في التعامل مع ترامب . حيث تجنب الملك قول ( لا) كبيرة لترامب ولم يقل له( نعم)! . لذلك استخدم أسلوب الأبواب المواربة مع رمي الكرة في ملعب بقية الأطراف العربية والتي تفضي إلى مزيد من شراء الوقت على أمل وجود معطيات جديدة إيجابية قد تساهم في تغيير التصريحات و المواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل.



عدد المشاهدات : (4651)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :