رم - الدكتور محمود عواد الدباس.
الأزمات المختلفة هي وحدها من تحدد نوعية الحاضرين والغائبين في المشهد الوطني. في الذاكرة القريبة، وقبل عدة سنوات، وفي سنة (كورونا) تحديدا لم يقدم كبار الأغنياء في حينها التبرعات التي تعكس إيمانهم العميق بالتكافل الاجتماعي. نتيجة لذلك ذهبت الدولة نحو أوامر الدفاع لتفادي حدوث أزمة مالية قد تقود إلى انفجار اجتماعي. هذه السنة جاءت تصريحات ترامب في التهجير والتوطين والوطن البديل. في مواجهة تلك التصريحات اللامنطقية غاب عن المشهد المئات من الشخصيات العامة من الذين صنعتهم الدولة. فلم يشارك أغلبهم في المسيرات، ولم تصدر عن أغلبهم تصريحات ترفض تصريحات ترامب، ولا تدافع عن الملك في مواجهة موجة التشكيك التي تعرض لها. نتيجة لذلك اعتمدت الدولة على العشائر في رفض تصريحات ترامب، وفي دعم مواقف الملك. في المحصلة وبحسب التجربة خلال أربع سنوات وجدنا أننا في الأزمات المالية يتخلى عنا كبار الأغنياء، وفي الأزمات السياسية يتخلى عنا كبار الشخصيات العامة!.
في هذه المقالة لن أتحدث أكثر عن كبار الأغنياء، فهذا كلام له وقت آخر في يوم ما قد يأتي، وقد لا يأتي. لذلك فإنني سأتحدث فقط عن كبار الشخصيات العامة الذين صنعتهم الدولة، والذين غاب حضورهم في مواجهة تصريحات ترامب، وفي الدافع عن الملك في مواجهة حملة التشكيك التي تستهدفه. بالطبع أن هنالك تصنيفاً لهؤلاء الشخصيات. فهم ليسوا من صنف واحد. لتوضيح ذلك نقول إن الغالبية العظمى منهم قد حصلوا من الدولة على ما يريدون؛ وبالتالي فلا يوجد أي حافز لديهم لبذل أي جهود جديدة، فقد تحقق المراد، ولم يعد لهم طموحات أخرى إضافية. آخرون منهم ينتظرون من الدولة أن تتصل بهم كي تطلب منهم التحرك من أجل حصولهم على مكافأة سياسية لاحقة. آخرون أيضا قناعاتهم تشابه قناعة الأمريكان فليكن الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين. بعضهم أيضا لم يعد متهما أن يصبح الأردن وطنا بديلا، وأن تبقى فلسطين وطنا عليلا يسير في طريق الانتهاء. أمام هذا الحال، وفي تعامل الدولة مع هذه النماذج المختلفة من الشخصيات العامة. قد اختارت الدولة التعامل مع أحد نماذجهم. حيث اختارت تقديم عدد من الشخصيات التي لا يزال لديها طموحات سياسية للحديث على شاشات القنوات التلفزيونية الرئيسية. لكن ثمة إشكالية هنا؟. ذلك أن غالبية هؤلاء من الذين قُدِّمُوا إعلاميا، فإنهم يفتقرون إلى عميق التحليل ونكهة الحديث السياسي؛ وبالتالي فإن كل ما يقومون به قبل قدومهم إلى المقابلات التي يذهبون إليها هو تجميع ما كتب هنا وهنالك، ومن ثمة إعادة ذاك دون أي بصمة ذاتية خلال المقابلة التلفزيونية. صحيح أن الناس تسمع تلك المقابلات، لكن الناس غير مقتنعة بكلامهم. الناس تحتاج إلى كلام أعمق مع ملكه ونكهة الحديث السياسي؟.
ختاما. وحيث إن الأزمة مع الإدارة الأمريكية مستمرة في موضوع القضية الفلسطينية. فإن المطلوب من الدولة أن تبحث عن نماذج أخرى من القادرين على الإقناع السياسي وعمق الحديث ونكهته من أجل تقدمهم في المشهد الوطني إعلاميا ورسميا. والهدف من ذلك هو تقدم خطاب يصب في خدمة الدولة والملك. خطاب ذو طعم ولون ونكهة. وليس خطاب عنوانه الحفظ والتسميع، أو في حالات أخرى خطاب سمته الفوضوية أو خطابا سمته أنه عاطفي وانفعالي أو خطاب يفتقد إلى حرارة الكلام أو خطاب يعمل صاحبه على تصنع في حركة الجسد، أو أن حركة الجسد فيها اضطراب ملحوظ. ويبقى السؤال هل تفعلها الدولة!. لن تفعلها الدولة. ستفعلها الدولة!.