خوري يكتب: “الاستقلال الاقتصادي والسياسي… ضرورة وطنية لمواجهة التحديات”


رم - د. طارق سامي خوري

يواجه الأردن ضغوطًا اقتصادية وسياسية متزايدة، بعضها يرتبط بالأوضاع الإقليمية والدولية، وبعضها الآخر نتيجة لاعتماده على المساعدات والقروض الخارجية التي قد تُستخدم كأدوات ضغط سياسي عليه. في ظل هذه التحديات، يصبح تحقيق الاستقلال الاقتصادي ضرورة ملحّة للحفاظ على السيادة الوطنية وضمان القدرة على اتخاذ قرارات سياسية حرة غير خاضعة لأي ابتزاز خارجي. ومن هنا، فإن على الحكومة ومجلس الأمة العمل بجدّ نحو بناء اقتصاد قوي ومستقل قادر على مواجهة الأزمات والتحديات، بعيدًا عن أي إملاءات قد تُفرض على الأردن مقابل الدعم المالي.

تحقيق الاستقلال الاقتصادي يتطلب تعزيز القطاعات الإنتاجية المحلية مثل الزراعة والصناعة، ودعم المشاريع الوطنية التي تحد من الاعتماد على الاستيراد، مما يخلق فرص عمل جديدة ويحسن الميزان التجاري للدولة. كما يجب تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية المستقلة التي لا تمس بالقرار السيادي الأردني، وإصلاح النظام الضريبي ليكون أكثر عدالة وكفاءة، بما يخفف الأعباء عن المواطنين ويعزز إيرادات الدولة. إن هذه الخطوات ليست مجرد تدابير اقتصادية، بل هي استراتيجية وطنية تضمن للأردن الوقوف على أرض صلبة بعيدًا عن أي تهديدات اقتصادية قد تتحول إلى ضغوط سياسية في أي وقت.

أحد أهم الخطوات في تحقيق الاستقلال الاقتصادي هو إيجاد بديل عن غاز العدو الصهيوني، الذي يتم استخراجه من فلسطين المُحتلة، ويُستخدم كوسيلة لفرض السيطرة الاقتصادية على الأردن. الاعتماد على هذا الغاز ليس مجرد قضية اقتصادية، بل هو موقف سياسي خطير يعزز الاحتلال ويجعل الأردن رهينة لاتفاقيات قد تُستغل للضغط عليه في أي وقت. يجب على الحكومة البحث عن مصادر بديلة للطاقة، سواء عبر تعزيز مشاريع الغاز المحلي، أو التوسع في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أو بناء شراكات حقيقية مع دول عربية وصديقة توفر مصادر طاقة بديلة بعيدًا عن الاحتلال.

كذلك، فإن الاعتماد على مياه العدو الصهيوني هو شكل آخر من أشكال التبعية الخطيرة، حيث أن الاحتلال يسيطر على المياه الفلسطينية والعربية وينهبها لصالح مشاريعه الاستيطانية، بينما يحاول فرض هيمنته على الدول المجاورة عبر مشاريع مائية مشبوهة. على الأردن أن يعمل على إيجاد بدائل حقيقية، سواء عبر تحلية المياه، أو تعزيز مشاريع الحصاد المائي والسدود، أو تطوير اتفاقيات عربية تحقق الأمن المائي دون الحاجة إلى اللجوء لمصادر يسيطر عليها الاحتلال.

في الجانب السياسي، يواجه الأردن تحديات كبرى تتطلب موقفًا واضحًا وحازمًا، خاصة في ظل السياسات التي تتبناها بعض القوى العالمية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية بزعامة تيار يميني متطرف مثل ترامب، والذي يسعى إلى فرض حلول مجحفة على حساب الحقوق الوطنية والقومية، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ولذلك، فإن على الأردن أن يكون مستعدًا لمواجهة هذه الضغوط بشكل شعبي ورسمي موحد، عبر التأكيد على أن القرار الأردني مستقل وغير قابل للمساومة.

رفض أي مشاريع توطين أو تهجير هو جزء أساسي من الموقف الوطني، حيث يجب أن يكون هناك اتفاق واضح بين جميع القوى السياسية والوطنية يؤكد أن الأردن ليس بديلاً عن فلسطين، وأن حق العودة للفلسطينيين حق مقدس غير قابل للتفاوض. كما يجب التمسك بحق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة، والتأكيد على أن أي حلول تفرض عبر الضغوط الاقتصادية أو السياسية لن تُقبل مهما كان الثمن. هذا الموقف يجب أن يكون جزءًا من سياسة وطنية واضحة، مدعومة بميثاق شرف يوقعه الجميع، سواء في الحكومة أو مجلس الأمة أو القوى المجتمعية، ليؤكدوا من خلاله رفضهم لأي تسويات تمس بحقوق الأردن أو فلسطين.

الأردن بحاجة إلى وحدة داخلية صلبة تعزز قدرته على الصمود في وجه أي ضغوط أو محاولات فرض حلول غير عادلة. تحقيق هذه الوحدة يتطلب وعياً شعبياً وإرادة سياسية قوية، إضافة إلى استراتيجية اقتصادية واضحة تعزز الاستقلال وتقلل من أي تبعية يمكن أن تُستغل ضد المصلحة الوطنية. إن هذه القضايا ليست مجرد شعارات، بل هي مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع، لضمان مستقبل آمن ومستقل للأردن بعيدًا عن أي ابتزاز أو مساومة.





عدد المشاهدات : (5792)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :