رم - الوطن هو البيت الكبير الذي يحتضن أبناءه، هو المستقبل الذي نطمح إليه لأطفالنا، وهو الاستقرار الذي نبنيه بحبنا وتكاتفنا. لا يكبر الوطن إلا بجمع شمله، ولا ينهض إلا بوحدة أبنائه، أما التفرقة والتشكيك والاتهامات، فهي أول الطريق نحو الفوضى والانهيار.
في السنوات الماضية، رأينا كيف سقطت دول كانت عامرة، وكيف أصبحت ساحات للصراعات والانقسامات، ليس فقط بسبب العدو الخارجي، بل لأن بعض أبنائها فتحوا الأبواب لمن يريد العبث بمصيرها. فهل استفاد هؤلاء؟ ربما استفاد البعض مالياً أو سياسياً لفترة قصيرة، لكنهم خسروا أوطانهم، خسروا مستقبل أولادهم، وخسروا الأمان الذي لا يعوضه شيء.
قبل أيام، جلالة الملك نبه وحذر من خطورة الارتباط بالخارج على حساب مصلحة الوطن، وهذا تحذير في مكانه ووقته، لأن التاريخ علّمنا أن الأوطان لا تُبنى إلا بولاء أبنائها. ولكن في الوقت نفسه، علينا أن نتعامل مع هذا الملف بحكمة، وألا يتحول النقاش حوله إلى حالة من التخوين المتبادل بين أبناء الوطن الواحد، لأن ذلك قد يفتح المجال لمن يتربص بنا، ويزيد من الانقسامات التي لا تخدم إلا من يريد إضعاف بلدنا.
المتآمرون على الوطن مكانهم معروف، والقانون هو الفيصل، وهو الذي يحدد الحقيقة، لا وسائل التواصل الاجتماعي ولا المزايدات العاطفية. أما الاختلاف في وجهات النظر، فهو أمر طبيعي، بل جزء من قوة الوطن، طالما أن الاختلاف لا يتحول إلى تخوين، أو إلى فتح المجال أمام القوى الخارجية للتدخل في شؤوننا.
علينا أن نكون صفاً واحداً في مواجهة أي مخاطر، ولكن أيضاً علينا أن نحمي وحدتنا الداخلية. الحوار العاقل والتوجيه الصادق والنصح الهادف، كلها وسائل تبني وتصلح، أما التجريح والتخوين والاتهامات العشوائية، فهي تهدم أكثر مما تصلح. فلنحافظ على الأردن وطناً يجمعنا، لا ساحة معركة بيننا.
“اللازمة: الوطن يكبر بالمحبة ويفنى بالبغضاء”
د. طارق سامي خوري
21/2/2025