الشباب الأردني وتطلعاته: من المشاركة السياسية إلى التطور الاقتصادي


رم - الدكتور ليث عبدالله القهيوي


يشكل الشباب الأردني أكثر من ثلث السكان، مما يجعلهم في صدارة القوة المحرّكة لمستقبل الأردن وركيزة أساسية للنهوض بالتنمية الوطنية. ورغم تعدد المبادرات الحكومية الهادفة إلى تمكين الشباب، لا تزال تحديات المشاركة السياسية والتطور الاقتصادي تعرقل الاستفادة القصوى من طاقاتهم.

ففي السنوات الأخيرة، اتخذت الدولة إجراءات تشريعية مهمة، من بينها تخفيض سن الترشح للانتخابات إلى 25 عامًا، بالإضافة إلى حثّ الشباب على الانخراط في الأحزاب السياسية؛ وقد أشارت التقارير إلى أن نسبة الشباب المنضمين إلى تلك الأحزاب وصلت إلى 38%، ما يؤكد الرغبة المتنامية لدى الجيل الصاعد في التأثير على مجريات الشأن العام. ومع ذلك، فإن غياب الثقة في المؤسسات السياسية وضعف التمثيل الشبابي في مواقع صنع القرار لا يزالان يشكّلان عائقًا أمام تفعيل المشاركة الفاعلة، وقد دعت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلى تكثيف الجهود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي توفر للشباب بيئة حاضنة تلبّي تطلعاتهم، وتعيد بناء جسور الثقة مع مؤسسات الدولة.

على الصعيد الاقتصادي، يواجه الشباب الأردني تحديات جسيمة، تجسّدها معدلات بطالة مرتفعة بلغت 21.5% خلال الربع الثالث من عام 2024، وصولًا إلى ما يقارب 50% بين فئة الشباب على وجه الخصوص. ويرجع ذلك إلى ضعف مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، فضلًا عن التأثيرات المتلاحقة للأزمات الإقليمية والعالمية على الاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة "الاستراتيجية الوطنية للشباب 2019-2025" بهدف تمكينهم اقتصاديًا عبر برامج تدريبية وريادية، إلى جانب مبادرات تُعزّز ثقافة الابتكار وتدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ومع أهمية هذه الخطوات، فإن إحداث نقلة نوعية يتطلب انتهاج سياسات أكثر شمولًا تضع الشباب في صلب عملية صنع القرار الاقتصادي، وتصوغ تشريعات مرنة تيسر الاستثمار وتفتح آفاقًا جديدة لسوق العمل.

إن التداخل بين البعد السياسي والبعد الاقتصادي في تمكين الشباب واضحٌ وجوهري، فحين تُتاح للشباب فرص المشاركة في صياغة السياسات العامة، تصبح المخرجات أكثر مواءمة لاحتياجاتهم، فينعكس ذلك إيجابًا على الاستقرار الاقتصادي، وعلى الجانب الآخر، يؤدي تحسين الوضع الاقتصادي وتوفير فرص عمل لائقة إلى رفع مستوى وعي الشباب بأهمية الانخراط السياسي، واذا نريد بشكل حقيقي وضمن خطة واضحة تقوية الاقتصاد الوطني يجب ان نعمل على سياسات تشجّع الابتكار وتدعم ريادة الأعمال، إلى جانب تطوير التعليم والتدريب المهني، ومن خلال هذه المقاربة الشمولية، يصبح الشباب قادرًا على المشاركة في صياغة مستقبل بلدهم على المستويين السياسي والاقتصادي.
لقد تبيّن أن تعزيز الثقة بالمؤسسات الرسمية أمرٌ أساسي لدفع عجلة المشاركة الشبابية إلى الأمام، خاصةً عندما تُقرَن الشفافية والمساءلة بتكريس قنوات اتصال فعالة تجمع المسؤولين بالشباب ، ولعل مواءمة التعليم مع مستلزمات سوق العمل تمثّل إحدى الركائز الإستراتيجية للحد من البطالة، إذ إن تحديث المناهج وإدماج التدريب المهني والتقني يفتح آفاقًا أوسع أمام شريحة كبيرة من الشباب، كما أن دعم ريادة الأعمال، من خلال تسهيلات مالية وإجرائية، يشكّل حلًا محوريًا لتعزيز التمكين الاقتصادي، إذ لا يكتفي بتوفير فرص عمل فحسب، بل يخلق حاضنة للابتكار والمنافسة، وفي السياق ذاته، قد يُسهم إشراك الشباب في المجالس البلدية واللجان التنموية في توجيههم نحو العمل الجماعي، وزيادة إحساسهم بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم المحلية.

يمثّل التعاون بين القطاعين العام والخاص رافعة مهمة لإتاحة فرص التدريب والتوظيف أمام الشباب، عبر خطط تراعي الاحتياجات الفعلية للاقتصاد الوطني، ولأن مشكلات الشباب الاقتصادية لا تنفصل عن الإطار السياسي العام، لا بد من سياسات متكاملة تنطلق من معالجة جذور التحديات بدلاً من الاكتفاء بحلول جزئية أو مؤقتة، فمتى تحقق الاستقرار الاقتصادي، تعززت ثقة الشباب في قدرتهم على المشاركة السياسية، ومتى تضاعفت مشاركتهم السياسية، ظهرت سياسات أشد استجابة لمتطلبات التنمية.

لا ريب أن الطريق نحو تمكين الشباب الأردني سياسيًا واقتصاديًا لا يخلو من العقبات، لكن الفرص الكامنة تظل متاحة وقابلة للترجمة على أرض الواقع، فمن خلال تكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، يمكن تحويل ما يبدو اليوم عقبةً إلى مصدر إلهام وفرصةٍ للإبداع. إن المطلوب في هذه المرحلة تنفيذ حزمة إصلاحات مستدامة، تفتح الأفق أمام الشباب لممارسة دورهم الطبيعي كمحرّك أساسي للتنمية، ورافعةٍ لأي عملية تحديث تطمح إلى نقل الأردن نحو مستقبل أكثر ازدهارًا.



عدد المشاهدات : (4466)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :