رم - الدكتورة رنا البحش
يُحدث الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتكنولوجيا الحيوية، والعملات الرقمية تحولًا جذريًا في الصناعات بوتيرة غير مسبوقة. من المتوقع أن تحدث هذه الابتكارات نموا اقتصاديا وتقدما هائلا في القطاعات المختلفة، ولكن إلى أي مدى يمكن تحقيق هذه التوقعات؟ وما التحديات التي قد تعيق تقدمها؟
يُعد التطور في البرمجة بالذكاء الاصطناعي مثالًا واضحًا على كيفية تغيير التكنولوجيا للعمل التقليدي. فقد أصبحت البرمجة التي كانت تتطلب تدخلًا بشريًا كبيرًا تُنفَّذ تلقائيًا إلى حد كبير، ويستطيع الذكاء الاصطناعي الآن استكمال 75% من مشاريع البرمجة، بعد أن كان لا يتجاوز 3% في أوائل عام 2023 من خلال شركات مثل مايكروسوفت وألفابت التي ابتكرت أدوات تتيح للمهندسين التركيز على حل المشكلات الإبداعية بدلاً من المهام المتكررة. ومع ذلك، فلا يزال الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى الحدس والإشراف البشري اللازم لاكتشاف الأخطاء والابتكار.
من جهة أخرى فان الذكاء الاصطناعي يطور برمجيات الروبوتات التي ستُغير العالم المادي تقودها شركات مثل تسلا وبوسطن دايناميكس في مجال الروبوتات البشرية والتي ستدخل مجالات الأتمتة في الصناعة والحياة اليومية في المنزل. تخيل مستقبلًا تقوم فيه الروبوتات بالعمل في المصانع وتساعد في المهام المنزلية مثل الطهي والتنظيف. يتوقع الخبراء أن تصل قيمة هذا القطاع إلى 26 تريليون دولار، لكن ارتفاع التكاليف من جهة ومخاوف فقدان الوظائف لصالح الروبوتات من جهة أخرى تظل عوائق كبيرة أمام التبني الواسع.
ويشهد قطاع الرعاية الصحية أيضًا تحولًا جذريًا. حيث يُسرّع الذكاء الاصطناعي وعلم الجينوم اكتشاف الأدوية بشكل غير مسبوق. فالأبحاث التي كانت تستغرق سنوات تُنجز الآن في غضون أشهر، حيث ارتفع عدد الأدوية التي يتم اختبارها من 20 دواء سنويًا في 2023 إلى أكثر من 100 في 2024. تقود شركات مثل كريسبر ثيرابيوتكس وإلومينا وموديرنا التطوير في مجال الجينات والبحوث الطبية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، إلا أن العقبات التنظيمية ما زالت تحديات قائمة.
في الوقت الذي يُحدث فيه الذكاء الاصطناعي والروبوتات ثورة في الصناعات التقليدية، فإن العملات الرقمية ستُحدث تغييرًا في القطاع المالي. فمن المتوقع أن يزداد استخدام البيتكوين والذي بدوره سيرفع سعره ليصل (كما في بعض الأبحاث) إلى 1.5 مليون دولار للعملة الواحدة. ولقد تجاوزت قيمة المعاملات باستخدام العملات المستقرة في عام 2023 الى 15 تريليون دولار، متخطية شركات الدفع التقليدية مثل فيزا وماستركارد. وتقود شركات مثل كوينبيس وميكروستراتيجي وبلاك روك هذا التحول في الأصول الرقمية، إلا أن المخاوف المتعلقة بالاحتيال والتقلبات التنظيمية لا تزال تشكل تحديات كبيرة.
ومع هذه التطورات، يستعد الاقتصاد العالمي لتغيير جذري. فعلى مدى أكثر من قرن، ظل معدل النمو الاقتصادي العالمي ثابتًا عند حوالي 3%، لكن بفضل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والبلوك تشين، والتكنولوجيا الحيوية، قد يرتفع إلى 7-8%. من المتوقع أن يشهد سوق الأسهم تغييرات ضخمة، حيث يمكن أن يرتفع قيم أسهم شركات الابتكار من 12 تريليون دولار إلى 140 تريليون دولار خلال خمس سنوات فقط. ويمكن أن تستفيد الشركات العملاقة مثل إنفيديا وأمازون وميتا من هذا التحول التكنولوجي بشكل كبير.
ومع ذلك، تعلمنا دروس التاريخ أن الثورات الصناعية تستغرق وقتًا. ان التحول الذي شهده القرن العشرون بفضل اختراع الكهرباء والهاتف والسيارات أدى إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار خمسة أضعاف، لكنه استغرق عقودًا حتى يتحقق بالكامل. وعلى الرغم من التقدم السريع للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، فإن التحديات التنظيمية، وتحولات سوق العمل، والمخاطر الجيوسياسية قد تبطئ عملية التبني.