التل يكتب : لماذا نحتاج للتصوف


رم - بلال حسن التل

المتابع للاخبار الصادرة عن جهاز الامن العام في بلدنا، يستطيع رصد واحد من اهم مؤشرات التحولات السلبية الكبيرة والكثيرة التي طرات على مجتمعنا، ممثلة بالجريمة و الارتفاع الملحوظ في مستوى انتشارها و تنوعها في مجتمعنا، فقد صرنا نقرا عن اب يقتل اطفاله، وعن ابناء يقتلون والديهم، وزوج يقتل زوجته، وزوجه تقطع زوجها، ناهيك عن قتل الاخ لأخيه او اخته، كما صار من المكرر ان نقرا عن وقوع عمليات السطو المسلح على البنوك ومحطات الوقود والصيدليات، بالاضافة الى عمليات النصب والاحتيال التي صارت وسائل التواصل الاجتماعي من اهم ادواتها، مرورا ببيع اللحوم والاغذية الفاسدة، وصولا الى عصابات تهريب المخدرات وترويجها، حتى وصلت هذه السموم الى مدارسنا.

تصاعد الجريمة في مجتمعنا ليس التحول السلبي الوحيد الذي اصاب هذا المجتمع، ولكنه مجرد استشهاد للدلالة على ماوصلنا اليه من تردي وتفسخ احتماعي، ناتج عن التردي الاقتصادي، وهذه من سمات المجتمعات التي تسيطر عليها مفاهيم المادة البحته، فتنمو الأنانية والفردية، وتتراجع روح الجماعة ومفاهيمها، وهي نتيجة حتمية لتراجع الجانب الروحي لدى الفرد ومن ثم الجماعة لحساب الجانب المادي الغليظ، الذي تسيطر فيه الرغبات والغرائز والشهوات.التي تؤدي الى عدم التردد في ارتكاب الجريمة لتصل الى ما تريد. وكل ذلك ناجم عن اختلال
نمط التربية السائدة في المجتمع ،حيث علت مفاهيم الكسب والجشع والانا وساد البخل والشح، وغيرها من المفاهيم المادية، على حساب مفاهيم الاعتدال و الرحمة والإيثار والجماعة، ولا يتخلص المجتمع من هذا الخلل الاباعتدال ميزانه التربوي لتحقيق التوازن بين متطلباته المادية واحتياحاته الروحية، التي لا تتحقق الا بمغالبة شهوات النفس، وهو ماعلمنا اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال عليه السلام عند عودته من ساحة حرب:رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الاكبر، وعندما سئل عليه السلام عن الجهاد الأكبر قال مجاهدة النفس.
هذا التوجيه النبوي افرز مدرسة تربوية عظيمة في المجتمعات الإسلامية ممثلة بالتصوف، الذي جمع اهله بين الجهاد ضد العدو ومجاهدة النفس للتغلب على شهواتها، وعلى جموحها المادي، خاصة عندما يكون بيدها قوة وسلطان، لذلك كان التصوف في جانب من جوانبه ثورة على الظلم، مثلما هو ثورة على الإنحراف والمادية، وهو يمثل الجانب المشرق في الدعوة الى الله باللين، والموعظة الحسنة على قاعدة وجادلهم بالتي هي أحسن.لذلك لا غرابة في ان تسعى بعض المدارس المحسوبة على الإسلام لتشوية صورة التصوف، لانه يتناقض مع قسوتها وغلظتها، واعتمادها الزجر والتكفير في التعامل مع غيرها حتى من المسلمين، وهي مدرسة تهتم بالقشور كطول الثوب وقصره، ومثله طول اللحية وقصرها، بينما ينصرف التصوف الى جوهر الإسلام بتنمية الروح، لتحقق التوازن في حاجات المجتمع المادية و الروحانية، عبر منظومة قيمية متكاملة، صرنا بحاحة اليها في تصدينا لعدونا عبر تصدينا الشهوات نفوسنا، وهذه من اهم حكم رمضان شهر الفتح المبين.



عدد المشاهدات : (4352)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :