رم - د. عزت جرادات
لعل من أهم أولويات المجتمعات العربية المعاصرة التوجّه الجادّ نحو بناء تظمها الديمقراطية، فلا بديل لها إذا ما أريد للأنسان العربي أن يعيش في مجتمعات المؤسسات، شأنه شأن سائر المجتمعات البشرية المعاصرة التي تتمتع بخدمات المؤسسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية بمستوى يليق بها.
إن عملية بناء النظم الديموقراطية لا تبدأ من المعَدَم أو بين الصفر؛ فإذا كانت العجلة قد تمّ إختراعها فلا داعي لاختراعها من جديد، بل الاستفادة منها وتطويرها، وهكذا يأتي بناء النظم الديمقراطية أي من الواقع ومشكلاته والتطلعات المستقبلية وآليات العمل على تحقيق تلك التطلعات.
ولعل مما لا خلاف فيه أن مشكلة واقع المجتمعات العربية بنظمها المختلفة هي التسميات التي تطلقها على أنظمتها وتصفها بالديمقراطية، وقد أشارت عدة دراسات عن حالة الديمقراطية في العالم تبدأ بالديمقراطية الليبرالية ثم الديمقراطيات المنقوصة أو شبه الديمقراطية لفقدانها أهم ركائز الديمقراطية وهي المشاركة المجتمعية في مؤسسات القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني.
فالمشاركة المجتمعية الفاعلة والموسّعة تؤدي إلى تجذير روح المواطنة المجتمعية حيث يشعر كل مواطن بالتمتّع بالحقوق والإلتزام بالواجبات، كما يشعر كل فئة من فئات المجتمع (بتمكينها) من تلك الحقوق والواجبات، وتؤدي المشاركة المجتمعية الفاعلة والموسّعة إلى تقوية منظومة من القيم المجتمعية متمثّلة باحترام حقوق الإنسان، واحترام سيادة القانون ودور المؤسسات المجتمعية، وتحقيق المساواة وبخاصة في حزمة الخدمات الاجتماعية، التعليم، والصحة والرعاية الاجتماعية والعمل.
إن المجتمعات العربية في مسيرتها التي تتجاوز القرن من الزمان، هي أقدر من تلك المجتمعات التي لا تمتلك هذا التاريخ والتجربة في النظم الديمقراطية فيها، وبالطرق الديمقراطية ذاتها، وهي الأساليب السلمية والحوارات الوطنية والمشاركة الفاعلة الموسّعة.