رمضان بين العقل النقدي والعقل التراثي


رم - د. علي النحلة حياصات

في ظل التحولات الفكرية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات الإسلامية اليوم، يواجه المسلمون تحديات عدة في كيفية التعامل مع موروثهم الديني، خاصة في شهر رمضان المبارك. ففي كل رمضان من كل عام ، تتجدد النقاشات حول الطريقة المثلى للتفاعل مع التراث الديني. بينما يعيد البعض طرح الأسئلة والمراجعات، يظل آخرون متمسكين بنظرة تقليدية متوارثة. فهل ينبغي أن نعتمد على العقل النقدي الذي يدعو إلى التحليل والتفكير العميق، أم نستمر في تقديس العقل التراثي الذي يرفع من شأن الماضي دون إعادة تقييمه بما يتناسب مع واقع العصر؟

في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية، أصبح الوصول إلى المعلومة أسهل من أي وقت مضى. إلا أن هذا التطور يرافقه أيضًا تحدٍ آخر يتمثل في إقدام الكثير من الأشخاص على تعطيل عقولهم، والاعتماد على منصات لا تستند إلى أسس علمية لمعرفة شؤونهم الدينية والدنيوية.

أعترف شخصيًا بأنني لا أستطيع أن أفهم أو أتقبل أن يلجأ أساتذة الجامعات أو الأطباء أو المهندسون أو المعلمون او غيرهم، الذين يعتمدون في عملهم على قواعد معرفية وعلمية حديثة، إلى محطات فضائية أو منصات اجتماعية يتحدث فيها أشخاص لا يمتلكون أي مؤهلات علمية، وينصحون آخرين في شؤون دينهم ودنياهم.

ومع حلول كل رمضان، يتكرر نفس المشهد بنمطه ذاته. حيث يطرح الكثير من الأشخاص أسئلة عبر هذه المنصات التكنولوجية التي أخجل من طرحها في هذا المقال. واللافت أن ما يزيد عن 80% من هذه الأسئلة تتمحور حول أمور جنسية، وكأن العقل العربي و الاسلامي يقتصر فقط على هذه القضية التي تعد من بديهيات الحياة حتى قبل ظهور كافة الأديان.

لا أدعو هنا إلى الاستغناء عن المشورة أو الاستشارة في القضايا الفقهية الأساسية المتعلقة بالدين، لكن يجب أن تكون هذه المشورة مستمدة من أشخاص ذوي خلفية علمية فقهية، يتبعون أساليب علمية ومنهجية حديثة ، لا أن تكون مجرد نصائح من منصات غير موثوقة او اشخاص غير مؤهليّن.

إن الدعوة لاستخدام العقل النقدي لا تعني إلغاء المورث، بل هي دعوة لإعادة فهمه بشكل يتناسب مع تحديات العصر. فالتفسير العقلاني للموروث الديني يساهم في تجاوز الجمود الفكري ويضع الأسس لتطوير حلول عملية للمشكلات المعاصرة. وفي رمضان، يمكن أن يكون هذا الشهر فرصة لتوجيه العقول نحو التفكير العميق والمراجعة النقدية لما هو قائم. من خلال العقل النقدي، يمكن للأمة الإسلامية أن تستمد قوتها من تراثها وفي الوقت نفسه تتناغم مع تطورات الزمن .

ان بناء مستقبل متوازن يجمع بين المحافظة على الموروث الديني ومواكبة تحديات الحاضر متطلب اساس للنهوض بواقعنا الحالي و تجاهل اي سلبيات في موروثنا الثقافي الغير موثوق . ان المعاصرة لا تعني التخلي والانسلاخ عن الجذور , بل هي فرصة لبناء مجتمع اصيل لكنه متواكب .



عدد المشاهدات : (6617)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :