رم - د.بيتي السقرات /الجامعة الأردنية
تعد المدرسة من أبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وهي التي يُفترض أن تكون بيئة آمنة وداعمة لتعزيز قيم التعايش، والتسامح، والاحترام المتبادل. إلا أن الواقع يشير في كثير من الأحيان إلى ظواهر مقلقة تهدد هذا الدور، وعلى رأسها العنف المدرسي والتنمر بين الطلبة، وهي من أخطر الظواهر الاجتماعية والنفسية التي باتت تؤرق الأنظمة التعليمية منذ سنوات. هذه السلوكيات لا تقتصر على التأثير في الأداء الأكاديمي، بل تتعداه لتطال السلامة النفسية والجسدية للطلبة، وتؤثر بشكل مباشر على المناخ التعليمي بأكمله.
يتخذ العنف المدرسي أشكالاً متعددة؛ منها الجسدي كالدفع والضرب، ومنها اللفظي كالسخرية والشتائم، وصولاً إلى العنف النفسي مثل الإقصاء الاجتماعي، وتكوين الشلل المغلقة، والترهيب، ونشر الشائعات. ومع التطور التكنولوجي، ظهر نوع جديد من التنمر: التنمر الإلكتروني، والذي يتم عبر الإساءة إلى الآخرين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بهدف التشهير، الإهانة، أو التهديد.
تشير الدراسات إلى أن ضعف الرقابة الأسرية، وغياب الحوار داخل الأسرة، ووجود بيئات منزلية عنيفة، تُعد من أبرز مسببات هذا السلوك العدواني. كما أن الإعلام ومواقع التواصل تساهم بشكل غير مباشر في تطبيع مظاهر العنف عبر الأفلام والألعاب العنيفة، مما يجعل الطفل أكثر تقبلاً له. ولا يمكن إغفال الضغوط الدراسية والتوتر النفسي الذي يتعرض له الطلبة، فيتحول بعضهم إلى متنمّرين لتفريغ الغضب أو الشعور بالقوة، في ظل غياب التوجيه السليم. كما يُعد ضعف الإدارات المدرسية، وقصور برامج الإرشاد النفسي، وقلة حملات التوعية، عوامل إضافية تُسهم في تفاقم المشكلة.
العنف المدرسي لا يمر مرور الكرام، بل يترك أثراً سلبياً في الضحايا، كضعف الثقة بالنفس، تدنّي المستوى الدراسي، والانطوائية والعزلة. وفي حالات متقدمة، قد تتطور الآثار إلى اضطرابات نفسية حادة تصل إلى الاكتئاب أو التفكير في الانتحار. أما بقية الطلبة، فقد يشعرون بالقلق والخوف، وتتحول المدرسة بالنسبة لهم من مكان للتعلم إلى بيئة مشحونة بالعدوانية والتوتر.
ولمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من تعزيز الوعي التربوي من خلال برامج توعية فعالة تشمل المدرسة والأسرة معاً، وتفعيل دور الإرشاد النفسي، وتوفير الدعم المستمر للطلبة المتضررين. كما يجب فرض قوانين رادعة لمحاسبة المتنمرين، وبناء علاقات إنسانية إيجابية بين الطلبة والمعلمين، تقوم على الاحترام والحوار. إن العنف المدرسي والتنمر ليسا سلوكيات فردية عابرة، بل مؤشرات على خلل عميق في منظومة القيم والتربية. ومواجهتهما تتطلب تكاتف الأسرة والمدرسة والمجتمع لتأمين بيئة تعليمية قائمة على العدالة والأمان والاحترام. فلا ينبغي أن تتجاهل إدارات المدارس هذا الخطر، أو تحاول التغطية عليه بذرائع سطحية، لأن التراخي في التصدي له يفتح المجال أمام المزيد من الضحايا، والمزيد من الفوضى. فبعض الحلول التي تبدأ بفنجان قهوة، تنتهي بكارثة صامتة تهدد مستقبل أجيال بأكملها.
كما قالت جلالة الملكة رانيا العبدالله: "المدرسة يجب أن تكون المكان الذي يشعر فيه الطفل بالأمان والانتماء، لا مكاناً يخشى فيه من زملائه أو بيئته." — هذه العبارة تلخص كل ما نطمح إليه في بيئتنا التعليمية، وتلزمنا جميعاً بأن نعمل من أجل تحقيقه واقعاً يومياً.