اليورانيوم في الاردن: الكميات والأرقام بين الحقيقة والاوهام


رم -

رم - كتب الدكتور نضال الزعبي

شكل وجود اليورانيوم العامود الاساس لفكرة البرنامج النووي التي ستدعم الخزينة وتمول بناء المفاعلات النووية وستحل أزمة الطاقة والمياه في الاردن، حيث اكدت هيئة الطاقة الذرية الاردنية على لسان رئيسها خالد طوقان أن "المملكة تتمتع بمخزون غني من اليورانيوم تقدر احتياطيات الخامات المتواجدة في منطقة ‏الوسط حاليا بـ 70 الف طن، وأحتياطي اليورانيوم في الفوسفات بنحو 140 الف طن‎ تقدر قيمتها السوقية بحوالي 40 مليار دولار أمريكي" (بترا 27-9-2008)
ان ضخامة كميات اليورانيوم وأيراداته المالية التي ُقدِرت بالمليارات وبأن الله سبحانه وتعالى عوضنا عن البترول بثروة افضل منه، وضعت هذا البلد في مراتب دول اليورانيوم, طغت على تفكير المسؤولين وعامة الناس الذين باتو ينتظرون وصول هذه الثروة المزعومة اليهم.
وتسابقت الصحف لنشر تصريحات ومعلومات ومقابلات تصدرها بلا منازع رئيس الهيئة مؤكدًا ومشدداً وكاشفاً وواعداً وكأنها حقائق علمية وأقتصادية، مطلقاً دوي الارقام دون حساب مستشهدا بما يروقه ومتجاهلاً ما لا يروقه:
1. طوقان يؤكد وجود كميات كبيرة وتجارية من اليورانيوم (العرب اليوم 15/5/2007)
2. أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية خالد طوقان العثور على مخزون كبير من اليورانيوم في منطقة وسط الأردن، يقدر بحوالي 70 ألف طن (بترا 15/10/2008)
3. طوقان: الكميات المقدر تواجدها في موقع سواقة وسط المملكة تبلغ حوالي 65 ألف طن، بقيمة 1,25 مليار دولار سنويا ‏(الرأي 21/10/2009)
4. أكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية خالد طوقان أن مؤشرات حجم مخزون اليورانيوم في ‏منطقة الوسط جاءت أعلى من التوقعات حيث يقدر أن تتجاوز 80 ألف طن ‏(الرأي 17/2/2010)
5. طوقان: يقدر احتياطي الخامات المتواجدة في وسط الاردن حاليا بحوالي 65 الف طن، وفي الفوسفات بحوالي 100 الف طن. وتم اكتشاف 20 ألف طن في منطقة الحسا ‏(الدستور 7/2/2011)
‎6. نفى مفوض دورة الوقود النووي د. نضال الزعبي صحة الارقام التي تقدر احتياطيات مخزون خامات اليورانيوم في وسط الاردن بحوالي 65 الف طن قائلا " ان هذا الكمية مبالغ فيها ولا يمكن أن تصنف على أنها احتياطي أو مخزون حسب المعايير الدولية" ‏(عمون 10/4/2011)
منذ البداية افتقرت المعلومات التي قدمتها هيئة الطاقة الذرية وشركاتها، حول توضّعات اليورانيوم في وسط ‏الأردن وبأنّها احتياطيّات تقدر ‏مخزون اليورانيوم بـ 65 ألف طن بمعدّل تركيز 628 جزء بالمليون، للمنهج العلمي مما اثار الشكوك حول دقتها او صحتها.
خلال الاجتماع الدولي حول طرق استكشاف وتعدين اليورانيوم والذي عقد في 17/11/2008 ، قال رئيس قسم الوقود النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كلمته الافتتاحية بأن "ارقام اليورانيوم في الاردن مشبوهة"
اثارت تساؤلات وأراء الخبراء ومطالبتهم بأتباع المعايير الدولية مخاوف هيئة الطاقة الذرية، حيث ان كافة المؤشرات كانت تشير الى خطأ الارقام المعلنة، فقررت الهيئة استبعادهم. حيث تم عام 2009 استبعاد مديرعام شركة اليورانيوم، كما تم الحاق مختبرات قياس اليورانيوم برئيس الهيئة مباشرة، والذي كان قد عين صديقه مديراً لها، وبهذا اصبحت كافة ارقام اليورانيوم محتكرة بيد شخص واحد يعلن ويخفي مايشاء.
إستمراراً لنهج التخبط والتناقض والتضليل أعلن خالد طوقان أمام مجلس النواب مؤخراً أن كميات وتراكيز اليورانيوم في الأردن مجدية إقتصادياً دون تقديم اي اثباتات او دراسات علمية. تبع ذلك اعلان الشركة الاردنية الفرنسية لليورانيوم والتي يديريها طوقان، ان الاحتياطي المؤكد من مصادر اليورانيوم يتجاوز 20 الف طن. وقالت الشركة ان اعلانها يستكمل اعلانا سابقا اواسط العام الماضي حول اكتشاف نحو 12,3 الف طن من خامات اليورانيوم. (الرأي 12/6/2012)
عالمياً يتم قياس وتصنيف كميات احتياطيات مخزون اليورانيوم (Reserves) وتراكيزها وفقا لمعايير دولية (JORC or NI43-101)، فمثلا احتياطي منجم اوليمبك-دام في استراليا يبلغ 347 الف طن يورانيوم بتركيز 590 جزء بالمليون، واحتياطي منجم مكارثر ريفر في كندا يبلغ 150 الف طن يورانيوم بتركيز 169,000 جزء بالمليون. وحسب هذه المعايير الدولية لا يوجد احتياطيّات مخزون يورانيوم في الاردن، وكل ماهو موجود عبارة مصادر طبيعيّة.
ان استخدام أرقام وهمية لتضخيم الكميات وحساب 20 الف طن بتركيز 90 جزء بالمليون لا يمكن اعتباره الا خداع وتضليل، حيث ان مثل هذه التراكيز تعتبر فضلات، وتحتوي غالبية مخلفات مناجم اليورانيوم على تراكيز اعلى من ذلك. وستنخفض هذه التقديرات بشكل كبير جداً يؤول الى الصفر عند اعتماد تراكيز أكثر واقعيّة حسب المعايير الصناعيّة العالميّة او حسب اتفاقية التعدين (أكثر من ‏‏250 جزء بالمليون).
لقد صُنِفَ البرنامج النووي الاردني على انه مشروع استراتيجي، ولكن تبين الان أن العامود الاساس الذي قام عليه هذا المشروع، بوجود كميات ضخمة من اليورانيوم، هو عامود وهمي لا أساس له من الصحة، وبالكاد يستطيع حمل نفسه لا ان يدعم الخزينة ويمول بناء مفاعلات نووية ويحل أزمة الطاقة والمياه في الاردن، مما يستدعي من الحكومة تجاوز المتنفذين ووضع استراتيجية فاعلة لأقامة مشاريع واقعية وأيجاد حلول حقيقية لهذه الازمات المتفاقمة.
مما لاشك فيه ان تكرار الأخطاء والتغطية عليها بنشر معلومات مغلوطة وأرقام مفبركة قد اساء للاردن وهو دليل على عجز وفشل مؤسسات سارت على الجهل والخداع بدلا من العلم والمعرفة فضللت القيادة وأضلت الشعب.

____
الكاتب: بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في الهندسة النووية من الولايات المتحدة الامريكية، متخصص في تصميم وهندسة المفاعلات النووية ‏وإدارة الوقود ‏النووي. مؤسس قسم الهندسة النووية في الاردن، مؤسس ومدير مشروع مختبرات اليورانيوم ومشروع مخزن النفايات المشعة ومشروع اول منشأة نووية في الاردن، مدير عام الشركة الاردنية لمصادر الطاقة الأسبق، مفوض دورة الوقود النووي الأسبق.



عدد المشاهدات : (1323)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :