الحرب على غزة حملت العديد من المفاجآت التي لم يتوان الاحتلال الصهيوني بتقديمها. ومن بينها حادثة مروعة تعكس وحشية الاحتلال. ففي أحد الأيام، قتل جندي من قوات الاحتلال أبوين بلا رحمة وخطف ابنتهما الرضيعة تاركاً وراءه لغزاً حير العالم. أثارت هذه الحادثة العديد من التساؤلات، وأتاحت للعقل أن يجنح في خيالات سوداوية. فمصير الطفلة الرضيعة يظل مجهولاً، أين هي؟ هل ما زالت حية أم لقيت حتفها؟ هل تعرضت للاستغلال الذي يعتمده الاحتلال في سرقة جلود وأعضاء الأبرياء؟
من هم أهلها؟ وما مصيرها بعد اختفائها وموت خاطفها؟ طفلة لا نعرف عنها سوى لحظة. فلا ماض لها معروف، ولا مستقبل. إذا كانت الطفلة على قيد الحياة. كيف ستكون حياتها؟ وما سيكون اسمها؟ كانت خالتي تقول لي دائما: ديري بالك على بنتك يا خالتي، هذه الحبيبة، والحبيبة منيحة يا خالتي. فهل سيكتب لهذه الرضيعة أن تكون حبيبة لأهل غير أهلها؟
هل ستذهب إلى الروضة؟ وهل ستغني لأمها الأغنية التراثية التي تعلمتها هناك؟ هل ستنام في حضن أمها عندما تصحو من نومها على حلم مزعج؟ هل سيكون لها أخ أو أخت؟ وهل ستلعب معه بأواني المطبخ؟ ثم تغضب منه وتقول: أنا زعلانة، ما بدي ألعب معه. وعندها يهرع أفراد العائلة لإرضائها. هل ستوقظ جدها في منتصف الليل وتقول له: سيدو بدي آكل. وهل سيجلب لها الرمان الذي تحبه، أو يعمل لها الكنافة عندما تطلبها؟ هل ستغني لها جدتها الأغاني التراثية مثل 'هز التوتة يا توات' و'أنا الفتى الفلاح'، وتصفق لها حتى ترقص؟ وعندما تتعب الجدة تقول لها بدلع: كمان أغنية. بس وحدة. بس. هل ستلعب بشعر أمها وهي نائمة وتضع البكل والمحابس على شعرها؟ هل سيكون لها هوايات كالكتابة، أو الخياطة، أو الرسم، أوالتطريز، أوغيرها؟ هل ستكون سعيدة في بيتها؟ ويكون لها غرفة تزينها وترتبها كما تشاء. وعندما تزهق، تذهب مع أخيها إلى المطبخ، يطهون ويضحكون ويأكلون وهم يتفرجون على فيلم من اختيارها هي. هل سيكون عندها قطة في البيت تلاحقها حتى تطعمها؟ وإذا عصبت عليها تقول لها أمها: اتركي القطة ولا تضايقيها هل ستختلف مع أخيها على المكان الذي سيقضون فيه الإجازة. فقد تحب هي الأماكن المرفهة، أما أخاها فقد يحب الأماكن الشعبية وقد تبدأ المداولات بينهم حتى يصلوا إلى حل مناسب للجميع
لا أحد يعرف كيف ستكون حياة هذه الحبيبة، إن كتبت لها الحياة أصلا. وإذا كان لها حياة، فحتما ستكون مختلفة. أتذكر رواية 'عائد إلى حيفا' لغسان كنفاني عندما ذهب سعيد وصفية إلى حيفا بعد 20 سنة من النكبة، في محاولة لمعرفة مصير ابنهم خلدون الذي فقدوه. لقد وجدوه شابا يافعا قويا. لكن اسمه دوف وهو جندي في جيش الدفاع الصهيوني. قال دوف لأبويه أنه لم يعرف عنهما إلا قبل بضع سنين. وهو لا يحس بشيء اتجاههما. 20 سنة جعلته مختلف، وجعلتهم غرباء. ليس ذنبه. وليس ذنبهما. برأيه هم ارتكبا خطأ كبيرا بعدم محاولتهما العودة خلال ال 20 سنة الماضية لاستعادته، ولو بقوة السلاح. فما أخذ بالقوة لا ترده 20 سنة من الانتظار والأمل. أما هم، لقد حاولا كثيرا، ومنذ اليوم الأول، ولكن الحدث كان جلل، وقهر الاحتلال امتد طويلا. شيء لن يفهمه دوف الان. أما هذه الحبيبة، لقد اختطفت. فهل ستعرف الحقيقة ذات يوم بأن من خطفها قد قتل أهلها بجبن وخسة. وأنه كان في مهمة لتدمير غزة وابادة أهلها. وأن أهل غزة قد استبسلوا لحمايتها. وأن العالم كله شارك في هذه الحرب الا من رحم ربي. وأن أهوالا كثيرة وملاحم عظيمة قد حدثت في غزة سيذكرها التاريخ. التاريخ الذي قد لا تقرأ عنه الحبيبة شيء.
بقلم الدكتورة رنا البحش
الحرب على غزة حملت العديد من المفاجآت التي لم يتوان الاحتلال الصهيوني بتقديمها. ومن بينها حادثة مروعة تعكس وحشية الاحتلال. ففي أحد الأيام، قتل جندي من قوات الاحتلال أبوين بلا رحمة وخطف ابنتهما الرضيعة تاركاً وراءه لغزاً حير العالم. أثارت هذه الحادثة العديد من التساؤلات، وأتاحت للعقل أن يجنح في خيالات سوداوية. فمصير الطفلة الرضيعة يظل مجهولاً، أين هي؟ هل ما زالت حية أم لقيت حتفها؟ هل تعرضت للاستغلال الذي يعتمده الاحتلال في سرقة جلود وأعضاء الأبرياء؟
من هم أهلها؟ وما مصيرها بعد اختفائها وموت خاطفها؟ طفلة لا نعرف عنها سوى لحظة. فلا ماض لها معروف، ولا مستقبل. إذا كانت الطفلة على قيد الحياة. كيف ستكون حياتها؟ وما سيكون اسمها؟ كانت خالتي تقول لي دائما: ديري بالك على بنتك يا خالتي، هذه الحبيبة، والحبيبة منيحة يا خالتي. فهل سيكتب لهذه الرضيعة أن تكون حبيبة لأهل غير أهلها؟
هل ستذهب إلى الروضة؟ وهل ستغني لأمها الأغنية التراثية التي تعلمتها هناك؟ هل ستنام في حضن أمها عندما تصحو من نومها على حلم مزعج؟ هل سيكون لها أخ أو أخت؟ وهل ستلعب معه بأواني المطبخ؟ ثم تغضب منه وتقول: أنا زعلانة، ما بدي ألعب معه. وعندها يهرع أفراد العائلة لإرضائها. هل ستوقظ جدها في منتصف الليل وتقول له: سيدو بدي آكل. وهل سيجلب لها الرمان الذي تحبه، أو يعمل لها الكنافة عندما تطلبها؟ هل ستغني لها جدتها الأغاني التراثية مثل 'هز التوتة يا توات' و'أنا الفتى الفلاح'، وتصفق لها حتى ترقص؟ وعندما تتعب الجدة تقول لها بدلع: كمان أغنية. بس وحدة. بس. هل ستلعب بشعر أمها وهي نائمة وتضع البكل والمحابس على شعرها؟ هل سيكون لها هوايات كالكتابة، أو الخياطة، أو الرسم، أوالتطريز، أوغيرها؟ هل ستكون سعيدة في بيتها؟ ويكون لها غرفة تزينها وترتبها كما تشاء. وعندما تزهق، تذهب مع أخيها إلى المطبخ، يطهون ويضحكون ويأكلون وهم يتفرجون على فيلم من اختيارها هي. هل سيكون عندها قطة في البيت تلاحقها حتى تطعمها؟ وإذا عصبت عليها تقول لها أمها: اتركي القطة ولا تضايقيها هل ستختلف مع أخيها على المكان الذي سيقضون فيه الإجازة. فقد تحب هي الأماكن المرفهة، أما أخاها فقد يحب الأماكن الشعبية وقد تبدأ المداولات بينهم حتى يصلوا إلى حل مناسب للجميع
لا أحد يعرف كيف ستكون حياة هذه الحبيبة، إن كتبت لها الحياة أصلا. وإذا كان لها حياة، فحتما ستكون مختلفة. أتذكر رواية 'عائد إلى حيفا' لغسان كنفاني عندما ذهب سعيد وصفية إلى حيفا بعد 20 سنة من النكبة، في محاولة لمعرفة مصير ابنهم خلدون الذي فقدوه. لقد وجدوه شابا يافعا قويا. لكن اسمه دوف وهو جندي في جيش الدفاع الصهيوني. قال دوف لأبويه أنه لم يعرف عنهما إلا قبل بضع سنين. وهو لا يحس بشيء اتجاههما. 20 سنة جعلته مختلف، وجعلتهم غرباء. ليس ذنبه. وليس ذنبهما. برأيه هم ارتكبا خطأ كبيرا بعدم محاولتهما العودة خلال ال 20 سنة الماضية لاستعادته، ولو بقوة السلاح. فما أخذ بالقوة لا ترده 20 سنة من الانتظار والأمل. أما هم، لقد حاولا كثيرا، ومنذ اليوم الأول، ولكن الحدث كان جلل، وقهر الاحتلال امتد طويلا. شيء لن يفهمه دوف الان. أما هذه الحبيبة، لقد اختطفت. فهل ستعرف الحقيقة ذات يوم بأن من خطفها قد قتل أهلها بجبن وخسة. وأنه كان في مهمة لتدمير غزة وابادة أهلها. وأن أهل غزة قد استبسلوا لحمايتها. وأن العالم كله شارك في هذه الحرب الا من رحم ربي. وأن أهوالا كثيرة وملاحم عظيمة قد حدثت في غزة سيذكرها التاريخ. التاريخ الذي قد لا تقرأ عنه الحبيبة شيء.
بقلم الدكتورة رنا البحش
الحرب على غزة حملت العديد من المفاجآت التي لم يتوان الاحتلال الصهيوني بتقديمها. ومن بينها حادثة مروعة تعكس وحشية الاحتلال. ففي أحد الأيام، قتل جندي من قوات الاحتلال أبوين بلا رحمة وخطف ابنتهما الرضيعة تاركاً وراءه لغزاً حير العالم. أثارت هذه الحادثة العديد من التساؤلات، وأتاحت للعقل أن يجنح في خيالات سوداوية. فمصير الطفلة الرضيعة يظل مجهولاً، أين هي؟ هل ما زالت حية أم لقيت حتفها؟ هل تعرضت للاستغلال الذي يعتمده الاحتلال في سرقة جلود وأعضاء الأبرياء؟
من هم أهلها؟ وما مصيرها بعد اختفائها وموت خاطفها؟ طفلة لا نعرف عنها سوى لحظة. فلا ماض لها معروف، ولا مستقبل. إذا كانت الطفلة على قيد الحياة. كيف ستكون حياتها؟ وما سيكون اسمها؟ كانت خالتي تقول لي دائما: ديري بالك على بنتك يا خالتي، هذه الحبيبة، والحبيبة منيحة يا خالتي. فهل سيكتب لهذه الرضيعة أن تكون حبيبة لأهل غير أهلها؟
هل ستذهب إلى الروضة؟ وهل ستغني لأمها الأغنية التراثية التي تعلمتها هناك؟ هل ستنام في حضن أمها عندما تصحو من نومها على حلم مزعج؟ هل سيكون لها أخ أو أخت؟ وهل ستلعب معه بأواني المطبخ؟ ثم تغضب منه وتقول: أنا زعلانة، ما بدي ألعب معه. وعندها يهرع أفراد العائلة لإرضائها. هل ستوقظ جدها في منتصف الليل وتقول له: سيدو بدي آكل. وهل سيجلب لها الرمان الذي تحبه، أو يعمل لها الكنافة عندما تطلبها؟ هل ستغني لها جدتها الأغاني التراثية مثل 'هز التوتة يا توات' و'أنا الفتى الفلاح'، وتصفق لها حتى ترقص؟ وعندما تتعب الجدة تقول لها بدلع: كمان أغنية. بس وحدة. بس. هل ستلعب بشعر أمها وهي نائمة وتضع البكل والمحابس على شعرها؟ هل سيكون لها هوايات كالكتابة، أو الخياطة، أو الرسم، أوالتطريز، أوغيرها؟ هل ستكون سعيدة في بيتها؟ ويكون لها غرفة تزينها وترتبها كما تشاء. وعندما تزهق، تذهب مع أخيها إلى المطبخ، يطهون ويضحكون ويأكلون وهم يتفرجون على فيلم من اختيارها هي. هل سيكون عندها قطة في البيت تلاحقها حتى تطعمها؟ وإذا عصبت عليها تقول لها أمها: اتركي القطة ولا تضايقيها هل ستختلف مع أخيها على المكان الذي سيقضون فيه الإجازة. فقد تحب هي الأماكن المرفهة، أما أخاها فقد يحب الأماكن الشعبية وقد تبدأ المداولات بينهم حتى يصلوا إلى حل مناسب للجميع
لا أحد يعرف كيف ستكون حياة هذه الحبيبة، إن كتبت لها الحياة أصلا. وإذا كان لها حياة، فحتما ستكون مختلفة. أتذكر رواية 'عائد إلى حيفا' لغسان كنفاني عندما ذهب سعيد وصفية إلى حيفا بعد 20 سنة من النكبة، في محاولة لمعرفة مصير ابنهم خلدون الذي فقدوه. لقد وجدوه شابا يافعا قويا. لكن اسمه دوف وهو جندي في جيش الدفاع الصهيوني. قال دوف لأبويه أنه لم يعرف عنهما إلا قبل بضع سنين. وهو لا يحس بشيء اتجاههما. 20 سنة جعلته مختلف، وجعلتهم غرباء. ليس ذنبه. وليس ذنبهما. برأيه هم ارتكبا خطأ كبيرا بعدم محاولتهما العودة خلال ال 20 سنة الماضية لاستعادته، ولو بقوة السلاح. فما أخذ بالقوة لا ترده 20 سنة من الانتظار والأمل. أما هم، لقد حاولا كثيرا، ومنذ اليوم الأول، ولكن الحدث كان جلل، وقهر الاحتلال امتد طويلا. شيء لن يفهمه دوف الان. أما هذه الحبيبة، لقد اختطفت. فهل ستعرف الحقيقة ذات يوم بأن من خطفها قد قتل أهلها بجبن وخسة. وأنه كان في مهمة لتدمير غزة وابادة أهلها. وأن أهل غزة قد استبسلوا لحمايتها. وأن العالم كله شارك في هذه الحرب الا من رحم ربي. وأن أهوالا كثيرة وملاحم عظيمة قد حدثت في غزة سيذكرها التاريخ. التاريخ الذي قد لا تقرأ عنه الحبيبة شيء.
التعليقات