أظهرت الأوضاع في غزة ان المفاهيم الأساسية مثل الحقيقة والعدل والعدالة لها عدة معان يفهمها بعض أعضاء المجتمع الدولي بشكل مختلف انطلاقا قبل كل شيء من مصالحهم الذاتية. هذا ما نواجهه حاليا عندما نشاهد الوضع المترتّب حول المحكمة الجنائية الدولية. يجدر التذكير بأن المحكمة تأسّست في عام 2002 بصفتها جهة العدالة الجنائية الدولية الدائمة للمساءلة على الجرائم الدولية الأكثر خطورة. على خلفية الممارسة (التي كانت تعتبر في التسعينيات من القرن الماضي بانها 'ناجحة') للمحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا واللتين انشأهما مجلس الأمن للأمم المتحدة تشكّلت الظروف لتأسيس المحكمة الجنائية الشاملة على أساس الاتفاقية الدولية التي كما كان متوقعا ستتمتع بالاعتراف شبه العالمي.
وحتى اكثر من ذلك، تم النظر الى المحكمة كعنصر مهم لنظام حفظ السلام والامن الدوليين. وتنبثق من هنا صلاحيات خاصة لمجلس الامن الاممي لإحالة الحالات الى المحكمة. لكن اثبتت نشاطات المحكمة ان توقعات 'المتحمّسين في العدالة الجنائية' غير مبرّرة. يتعلق ذلك بعدم الفعالية الواضحة للمحكمة في مجال تطبيق العدالة الجنائية الدولية والكثير من حالات إساءة استخدام والألعاب السياسية لكبار مسؤولي هذه المنظمة. بالموازنة السنوية قدرها حوالي 170 مليون دولار و900 موظّف لم تضع المحكمة خلال 20 سنة من العمل الّا 40 شخصا على قائمة المطلوبين واصدرت فقط 13 حكما نهائيا (بما فيها 4 احكام براءة). هذه 'الإنجازات' المتواضعة للمحكمة في عملها الاساسي ترافقها التجاذبات السياسية الخطيرة التي نشبت بين هذه المنظمة وعدد كبير من الدول. مع التركيز في البداية على التحقيق في نزاعات في افريقيا كانت المحكمة معرضة للاتهامات بعدم التوازن الجيوغرافي غير العادل الذي اعتبرته افريقيا شكلا من التفكير الغربي الاستعماري الجديد. علاوة على ذلك أصبحت بعض قرارات المحكمة عائقا كبيرا امام التسوية السياسية للنزاعات والتصالح الوطني وبين الدول. كما رُفضت محاولات المحكمة الهادفة الى مساءلة رؤساء دول حاليين انتهاكا لأحكام القانون الدولي بشأن الحصانة. ولم تتمكن المحكمة ونيابتها من استخلاص النتائج الصحيحة من هذا التوجّه وواصلتا مواجهة احكام القانون الدولي ومصالح تسوية النزاعات في نشاطهما باستمرار. هذا وليس من المستغرب ان المحكمة ورغم عدد اعضائها الكبير (123) لم تصبح جهة عالمية شاملة حقيقيا مهما كانت التصريحات المعاكسة التي ادلى بها مساندوها. الى جانب روسيا لا تشارك الأطراف المهمة مثل الصين والهند والولايات المتحدة ومصر وباكستان وإندونيسيا وفيتنام وتركيا والسعودية في نظام روما الاساسي. لا نرى الحماس السابق من بين غيرها من الدول. منذ عام 2015 بالإضافة الى انضمام 4 أعضاء جدد سُجّلت حالتا انسحاب من المحكمة وحالة سحب التوقيع. ولكن الشيء الأكثر أهمية يتمثل في ان بعض دول العالم الغربي تشكّل موقفها من هذه المنظمة انطلاقا من مدى تطابق نشاطات المحكمة الحالية مع المهام المبدئية للسياسات الخارجية لهذه البلدان. ولا يمكن ذلك الّا يقلقنا جميعا.
* سفير روسيا لدى الأردن
أظهرت الأوضاع في غزة ان المفاهيم الأساسية مثل الحقيقة والعدل والعدالة لها عدة معان يفهمها بعض أعضاء المجتمع الدولي بشكل مختلف انطلاقا قبل كل شيء من مصالحهم الذاتية. هذا ما نواجهه حاليا عندما نشاهد الوضع المترتّب حول المحكمة الجنائية الدولية. يجدر التذكير بأن المحكمة تأسّست في عام 2002 بصفتها جهة العدالة الجنائية الدولية الدائمة للمساءلة على الجرائم الدولية الأكثر خطورة. على خلفية الممارسة (التي كانت تعتبر في التسعينيات من القرن الماضي بانها 'ناجحة') للمحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا واللتين انشأهما مجلس الأمن للأمم المتحدة تشكّلت الظروف لتأسيس المحكمة الجنائية الشاملة على أساس الاتفاقية الدولية التي كما كان متوقعا ستتمتع بالاعتراف شبه العالمي.
وحتى اكثر من ذلك، تم النظر الى المحكمة كعنصر مهم لنظام حفظ السلام والامن الدوليين. وتنبثق من هنا صلاحيات خاصة لمجلس الامن الاممي لإحالة الحالات الى المحكمة. لكن اثبتت نشاطات المحكمة ان توقعات 'المتحمّسين في العدالة الجنائية' غير مبرّرة. يتعلق ذلك بعدم الفعالية الواضحة للمحكمة في مجال تطبيق العدالة الجنائية الدولية والكثير من حالات إساءة استخدام والألعاب السياسية لكبار مسؤولي هذه المنظمة. بالموازنة السنوية قدرها حوالي 170 مليون دولار و900 موظّف لم تضع المحكمة خلال 20 سنة من العمل الّا 40 شخصا على قائمة المطلوبين واصدرت فقط 13 حكما نهائيا (بما فيها 4 احكام براءة). هذه 'الإنجازات' المتواضعة للمحكمة في عملها الاساسي ترافقها التجاذبات السياسية الخطيرة التي نشبت بين هذه المنظمة وعدد كبير من الدول. مع التركيز في البداية على التحقيق في نزاعات في افريقيا كانت المحكمة معرضة للاتهامات بعدم التوازن الجيوغرافي غير العادل الذي اعتبرته افريقيا شكلا من التفكير الغربي الاستعماري الجديد. علاوة على ذلك أصبحت بعض قرارات المحكمة عائقا كبيرا امام التسوية السياسية للنزاعات والتصالح الوطني وبين الدول. كما رُفضت محاولات المحكمة الهادفة الى مساءلة رؤساء دول حاليين انتهاكا لأحكام القانون الدولي بشأن الحصانة. ولم تتمكن المحكمة ونيابتها من استخلاص النتائج الصحيحة من هذا التوجّه وواصلتا مواجهة احكام القانون الدولي ومصالح تسوية النزاعات في نشاطهما باستمرار. هذا وليس من المستغرب ان المحكمة ورغم عدد اعضائها الكبير (123) لم تصبح جهة عالمية شاملة حقيقيا مهما كانت التصريحات المعاكسة التي ادلى بها مساندوها. الى جانب روسيا لا تشارك الأطراف المهمة مثل الصين والهند والولايات المتحدة ومصر وباكستان وإندونيسيا وفيتنام وتركيا والسعودية في نظام روما الاساسي. لا نرى الحماس السابق من بين غيرها من الدول. منذ عام 2015 بالإضافة الى انضمام 4 أعضاء جدد سُجّلت حالتا انسحاب من المحكمة وحالة سحب التوقيع. ولكن الشيء الأكثر أهمية يتمثل في ان بعض دول العالم الغربي تشكّل موقفها من هذه المنظمة انطلاقا من مدى تطابق نشاطات المحكمة الحالية مع المهام المبدئية للسياسات الخارجية لهذه البلدان. ولا يمكن ذلك الّا يقلقنا جميعا.
* سفير روسيا لدى الأردن
أظهرت الأوضاع في غزة ان المفاهيم الأساسية مثل الحقيقة والعدل والعدالة لها عدة معان يفهمها بعض أعضاء المجتمع الدولي بشكل مختلف انطلاقا قبل كل شيء من مصالحهم الذاتية. هذا ما نواجهه حاليا عندما نشاهد الوضع المترتّب حول المحكمة الجنائية الدولية. يجدر التذكير بأن المحكمة تأسّست في عام 2002 بصفتها جهة العدالة الجنائية الدولية الدائمة للمساءلة على الجرائم الدولية الأكثر خطورة. على خلفية الممارسة (التي كانت تعتبر في التسعينيات من القرن الماضي بانها 'ناجحة') للمحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا واللتين انشأهما مجلس الأمن للأمم المتحدة تشكّلت الظروف لتأسيس المحكمة الجنائية الشاملة على أساس الاتفاقية الدولية التي كما كان متوقعا ستتمتع بالاعتراف شبه العالمي.
وحتى اكثر من ذلك، تم النظر الى المحكمة كعنصر مهم لنظام حفظ السلام والامن الدوليين. وتنبثق من هنا صلاحيات خاصة لمجلس الامن الاممي لإحالة الحالات الى المحكمة. لكن اثبتت نشاطات المحكمة ان توقعات 'المتحمّسين في العدالة الجنائية' غير مبرّرة. يتعلق ذلك بعدم الفعالية الواضحة للمحكمة في مجال تطبيق العدالة الجنائية الدولية والكثير من حالات إساءة استخدام والألعاب السياسية لكبار مسؤولي هذه المنظمة. بالموازنة السنوية قدرها حوالي 170 مليون دولار و900 موظّف لم تضع المحكمة خلال 20 سنة من العمل الّا 40 شخصا على قائمة المطلوبين واصدرت فقط 13 حكما نهائيا (بما فيها 4 احكام براءة). هذه 'الإنجازات' المتواضعة للمحكمة في عملها الاساسي ترافقها التجاذبات السياسية الخطيرة التي نشبت بين هذه المنظمة وعدد كبير من الدول. مع التركيز في البداية على التحقيق في نزاعات في افريقيا كانت المحكمة معرضة للاتهامات بعدم التوازن الجيوغرافي غير العادل الذي اعتبرته افريقيا شكلا من التفكير الغربي الاستعماري الجديد. علاوة على ذلك أصبحت بعض قرارات المحكمة عائقا كبيرا امام التسوية السياسية للنزاعات والتصالح الوطني وبين الدول. كما رُفضت محاولات المحكمة الهادفة الى مساءلة رؤساء دول حاليين انتهاكا لأحكام القانون الدولي بشأن الحصانة. ولم تتمكن المحكمة ونيابتها من استخلاص النتائج الصحيحة من هذا التوجّه وواصلتا مواجهة احكام القانون الدولي ومصالح تسوية النزاعات في نشاطهما باستمرار. هذا وليس من المستغرب ان المحكمة ورغم عدد اعضائها الكبير (123) لم تصبح جهة عالمية شاملة حقيقيا مهما كانت التصريحات المعاكسة التي ادلى بها مساندوها. الى جانب روسيا لا تشارك الأطراف المهمة مثل الصين والهند والولايات المتحدة ومصر وباكستان وإندونيسيا وفيتنام وتركيا والسعودية في نظام روما الاساسي. لا نرى الحماس السابق من بين غيرها من الدول. منذ عام 2015 بالإضافة الى انضمام 4 أعضاء جدد سُجّلت حالتا انسحاب من المحكمة وحالة سحب التوقيع. ولكن الشيء الأكثر أهمية يتمثل في ان بعض دول العالم الغربي تشكّل موقفها من هذه المنظمة انطلاقا من مدى تطابق نشاطات المحكمة الحالية مع المهام المبدئية للسياسات الخارجية لهذه البلدان. ولا يمكن ذلك الّا يقلقنا جميعا.
التعليقات