غالبية الدول العربية والاسلامية تواصل حياتها كالمعتاد ولم تتأثر بما يجري في غزة والضفة الغربية والقدس، وربما يمثل الأردن نموذجاً مختلفا يستحق التحليل مقارنة ببقية هذه الدول. في أسباب التأثر كلام معروف، من القرب، والتاريخ والجغرافيا، والتداخل الاجتماعي والمخاوف من تمدد الحرب، والتركيز على سيناريوهات التهجير، وغير ذلك، كما أن التأثر المعنوي والوطني يبلغ مداه الاعلى مقارنة ببقية الدول العربية والاسلامية في دليل على طهارة معدن الناس في هذا البلد، وهم الذين يتعلقون بكل قضاياهم في العراق وسورية وفلسطين وغير ذلك. بالمقابل حين تجالس زوارا قادمين من الضفة الغربية والقدس، يتحدثون لك بطريقة مختلفة، وهم الاقرب الى غزة، عن ضرورة ان يبقى الأردن حيوياً ومستقراً، وألا تتوقف اشكال الحياة فيه، لأن للأردن ايضا حياته وشعبه واولوياته ومصالحه، دون ان يفرط بموقعه ووجوده وسط هذا الاقليم الى جانب جواره العربي في هذه المحن، ويضرب هؤلاء امثلة عن استمرار الحياة بشكل طبيعي قدر الامكان حتى في الضفة الغربية والقدس ومناطق فلسطين المحتلة عام 1948، في سياقات اشاراتهم الى ان الحياة لم تتوقف حتى داخل فلسطين، ولا حتى داخل قطاع غزة المبتلى بالذبح والجرائم والدم، لكن التجارة مثلا ما تزال قائمة، والناس يكافحون حتى يبقوا على قيد الحياة، ويعرفون بالفطرة ان الاستسلام لليأس والركود والخوف امر تريده اسرائيل اولا. ابتكار معادلة تسترد الحياة في الأردن بشكل طبيعي قدر الامكان، دون ادارة الظهر لقطاع غزة، عملية ممكنة، فلا احد يريد ان يتضرر الأردن ايضا، خصوصا، إن أي ضرر على الأردن على الصعيد الداخلي يصب لصالح مخططات اسرائيل الاستراتيجية، التي تريد ان تبقى شعوب جوار فلسطين هشة ضعيفة بلا مستقبل، ولا حاضر، وان نبقى بلا خطط لمواجهة كثير من التحديات والظروف الصعبة التي تمر بها كل هذه المنطقة، منذ سنوات طويلة اصلا. الذي يتابع شؤون الدول العربية والاسلامية يكتشف اصلا ان ملف قطاع غزة خارج تغطية اغلب هذه الدول وشعوبها، والتعاطف شكلي، فيما شؤون الحياة المختلفة تسير بشكل طبيعي، والسؤال هنا في الأردن يرتبط بالحد الفاصل بين شعور الانسان انه يدافع ايضا عن وجوده واستمراره، وبين كونه لا يأبه بأهل غزة، ولا أوجاعهم، وهذا الحد الفاصل دقيق جدا، ويختلط الامر على كثيرين، بحيث تبدو استعادة الحياة في الأردن، وكأنها خيانة لدم الفلسطينيين، مثلا، وهذا توهم، لأن الفلسطينيين ذاتهم يريدون ان يبقى الأردن قويا، طبيعيا، حيويا، لنفسه ولشعبه ولجواره ايضا، فماذا سيستفيد الفلسطينيون اذا شاهدوا الأردن يتضرر داخليا، خصوصا، ان المطلوب محدد وواضح، اي ان يتضرر الاحتلال وحده، ويدفع الثمن، وليس ابناء هذه الأمة. في تصرفات كثيرة يبلور الأردنيون موقفا مهما مما يجري في قطاع غزة من المسيرات الى المقاطعة وغير ذلك من إصرار على قطع كل العلاقات مع اسرائيل، ويتجنبون الكثير من الاحتفاليات حتى على المستوى الشخصي، وهناك ادلة كثيرة على أن قضية فلسطين هي قضية أردنية مباشرة، لكن المؤشرات الاعمق التي يتم رصدها تؤشر إلى ما هو اخطر من كل هذا، اي التراجعات الاقتصادية، والمناخات المعنوية السيئة، والشعور بعدم اليقين بشأن المستقبل، وحالة الترقب التي تجمد كل شيء، وعلينا ان ننتبه هنا الى ان هذا كل ما تريده اسرائيل اصلا، اي معاقبة الشعوب العربية التي تناصر فلسطين، بوسائل داخلية، سببها عدم التمييز، أحيانا، بين الموقف المنتج لصالح فلسطين، والموقف الذي يتسبب بضرر داخل الأردن، وكأننا نعاقب انفسنا، في سلوك يعتبره الفلسطينيون داخل الضفة الغربية والقدس، غير مفيد اساسا لأحد. المطلوب هنا ليس ادارة الظهر لغزة، فلا عاش من يدير ظهره لها، ولكن المطلوب ان تكون اعيننا مفتوحة على الأردن، حتى يبقى، وهذا جهد شعبي، لا بد من ارفاقه بتدخل رسمي عميق لتحريك الداخل الأردني معنويا بشكل منطقي وعاقل، وتحفيزه اقتصاديا وسياسيا وحياتيا، دون ان نبقى اسرى لعقدة اتهامنا بكوننا ندير ظهرنا لغزة ولفلسطين، فلا احد اقرب منا في هذه الدنيا، لفلسطين واهلها وتاريخها.
ماهر أبو طير
غالبية الدول العربية والاسلامية تواصل حياتها كالمعتاد ولم تتأثر بما يجري في غزة والضفة الغربية والقدس، وربما يمثل الأردن نموذجاً مختلفا يستحق التحليل مقارنة ببقية هذه الدول. في أسباب التأثر كلام معروف، من القرب، والتاريخ والجغرافيا، والتداخل الاجتماعي والمخاوف من تمدد الحرب، والتركيز على سيناريوهات التهجير، وغير ذلك، كما أن التأثر المعنوي والوطني يبلغ مداه الاعلى مقارنة ببقية الدول العربية والاسلامية في دليل على طهارة معدن الناس في هذا البلد، وهم الذين يتعلقون بكل قضاياهم في العراق وسورية وفلسطين وغير ذلك. بالمقابل حين تجالس زوارا قادمين من الضفة الغربية والقدس، يتحدثون لك بطريقة مختلفة، وهم الاقرب الى غزة، عن ضرورة ان يبقى الأردن حيوياً ومستقراً، وألا تتوقف اشكال الحياة فيه، لأن للأردن ايضا حياته وشعبه واولوياته ومصالحه، دون ان يفرط بموقعه ووجوده وسط هذا الاقليم الى جانب جواره العربي في هذه المحن، ويضرب هؤلاء امثلة عن استمرار الحياة بشكل طبيعي قدر الامكان حتى في الضفة الغربية والقدس ومناطق فلسطين المحتلة عام 1948، في سياقات اشاراتهم الى ان الحياة لم تتوقف حتى داخل فلسطين، ولا حتى داخل قطاع غزة المبتلى بالذبح والجرائم والدم، لكن التجارة مثلا ما تزال قائمة، والناس يكافحون حتى يبقوا على قيد الحياة، ويعرفون بالفطرة ان الاستسلام لليأس والركود والخوف امر تريده اسرائيل اولا. ابتكار معادلة تسترد الحياة في الأردن بشكل طبيعي قدر الامكان، دون ادارة الظهر لقطاع غزة، عملية ممكنة، فلا احد يريد ان يتضرر الأردن ايضا، خصوصا، إن أي ضرر على الأردن على الصعيد الداخلي يصب لصالح مخططات اسرائيل الاستراتيجية، التي تريد ان تبقى شعوب جوار فلسطين هشة ضعيفة بلا مستقبل، ولا حاضر، وان نبقى بلا خطط لمواجهة كثير من التحديات والظروف الصعبة التي تمر بها كل هذه المنطقة، منذ سنوات طويلة اصلا. الذي يتابع شؤون الدول العربية والاسلامية يكتشف اصلا ان ملف قطاع غزة خارج تغطية اغلب هذه الدول وشعوبها، والتعاطف شكلي، فيما شؤون الحياة المختلفة تسير بشكل طبيعي، والسؤال هنا في الأردن يرتبط بالحد الفاصل بين شعور الانسان انه يدافع ايضا عن وجوده واستمراره، وبين كونه لا يأبه بأهل غزة، ولا أوجاعهم، وهذا الحد الفاصل دقيق جدا، ويختلط الامر على كثيرين، بحيث تبدو استعادة الحياة في الأردن، وكأنها خيانة لدم الفلسطينيين، مثلا، وهذا توهم، لأن الفلسطينيين ذاتهم يريدون ان يبقى الأردن قويا، طبيعيا، حيويا، لنفسه ولشعبه ولجواره ايضا، فماذا سيستفيد الفلسطينيون اذا شاهدوا الأردن يتضرر داخليا، خصوصا، ان المطلوب محدد وواضح، اي ان يتضرر الاحتلال وحده، ويدفع الثمن، وليس ابناء هذه الأمة. في تصرفات كثيرة يبلور الأردنيون موقفا مهما مما يجري في قطاع غزة من المسيرات الى المقاطعة وغير ذلك من إصرار على قطع كل العلاقات مع اسرائيل، ويتجنبون الكثير من الاحتفاليات حتى على المستوى الشخصي، وهناك ادلة كثيرة على أن قضية فلسطين هي قضية أردنية مباشرة، لكن المؤشرات الاعمق التي يتم رصدها تؤشر إلى ما هو اخطر من كل هذا، اي التراجعات الاقتصادية، والمناخات المعنوية السيئة، والشعور بعدم اليقين بشأن المستقبل، وحالة الترقب التي تجمد كل شيء، وعلينا ان ننتبه هنا الى ان هذا كل ما تريده اسرائيل اصلا، اي معاقبة الشعوب العربية التي تناصر فلسطين، بوسائل داخلية، سببها عدم التمييز، أحيانا، بين الموقف المنتج لصالح فلسطين، والموقف الذي يتسبب بضرر داخل الأردن، وكأننا نعاقب انفسنا، في سلوك يعتبره الفلسطينيون داخل الضفة الغربية والقدس، غير مفيد اساسا لأحد. المطلوب هنا ليس ادارة الظهر لغزة، فلا عاش من يدير ظهره لها، ولكن المطلوب ان تكون اعيننا مفتوحة على الأردن، حتى يبقى، وهذا جهد شعبي، لا بد من ارفاقه بتدخل رسمي عميق لتحريك الداخل الأردني معنويا بشكل منطقي وعاقل، وتحفيزه اقتصاديا وسياسيا وحياتيا، دون ان نبقى اسرى لعقدة اتهامنا بكوننا ندير ظهرنا لغزة ولفلسطين، فلا احد اقرب منا في هذه الدنيا، لفلسطين واهلها وتاريخها.
ماهر أبو طير
غالبية الدول العربية والاسلامية تواصل حياتها كالمعتاد ولم تتأثر بما يجري في غزة والضفة الغربية والقدس، وربما يمثل الأردن نموذجاً مختلفا يستحق التحليل مقارنة ببقية هذه الدول. في أسباب التأثر كلام معروف، من القرب، والتاريخ والجغرافيا، والتداخل الاجتماعي والمخاوف من تمدد الحرب، والتركيز على سيناريوهات التهجير، وغير ذلك، كما أن التأثر المعنوي والوطني يبلغ مداه الاعلى مقارنة ببقية الدول العربية والاسلامية في دليل على طهارة معدن الناس في هذا البلد، وهم الذين يتعلقون بكل قضاياهم في العراق وسورية وفلسطين وغير ذلك. بالمقابل حين تجالس زوارا قادمين من الضفة الغربية والقدس، يتحدثون لك بطريقة مختلفة، وهم الاقرب الى غزة، عن ضرورة ان يبقى الأردن حيوياً ومستقراً، وألا تتوقف اشكال الحياة فيه، لأن للأردن ايضا حياته وشعبه واولوياته ومصالحه، دون ان يفرط بموقعه ووجوده وسط هذا الاقليم الى جانب جواره العربي في هذه المحن، ويضرب هؤلاء امثلة عن استمرار الحياة بشكل طبيعي قدر الامكان حتى في الضفة الغربية والقدس ومناطق فلسطين المحتلة عام 1948، في سياقات اشاراتهم الى ان الحياة لم تتوقف حتى داخل فلسطين، ولا حتى داخل قطاع غزة المبتلى بالذبح والجرائم والدم، لكن التجارة مثلا ما تزال قائمة، والناس يكافحون حتى يبقوا على قيد الحياة، ويعرفون بالفطرة ان الاستسلام لليأس والركود والخوف امر تريده اسرائيل اولا. ابتكار معادلة تسترد الحياة في الأردن بشكل طبيعي قدر الامكان، دون ادارة الظهر لقطاع غزة، عملية ممكنة، فلا احد يريد ان يتضرر الأردن ايضا، خصوصا، إن أي ضرر على الأردن على الصعيد الداخلي يصب لصالح مخططات اسرائيل الاستراتيجية، التي تريد ان تبقى شعوب جوار فلسطين هشة ضعيفة بلا مستقبل، ولا حاضر، وان نبقى بلا خطط لمواجهة كثير من التحديات والظروف الصعبة التي تمر بها كل هذه المنطقة، منذ سنوات طويلة اصلا. الذي يتابع شؤون الدول العربية والاسلامية يكتشف اصلا ان ملف قطاع غزة خارج تغطية اغلب هذه الدول وشعوبها، والتعاطف شكلي، فيما شؤون الحياة المختلفة تسير بشكل طبيعي، والسؤال هنا في الأردن يرتبط بالحد الفاصل بين شعور الانسان انه يدافع ايضا عن وجوده واستمراره، وبين كونه لا يأبه بأهل غزة، ولا أوجاعهم، وهذا الحد الفاصل دقيق جدا، ويختلط الامر على كثيرين، بحيث تبدو استعادة الحياة في الأردن، وكأنها خيانة لدم الفلسطينيين، مثلا، وهذا توهم، لأن الفلسطينيين ذاتهم يريدون ان يبقى الأردن قويا، طبيعيا، حيويا، لنفسه ولشعبه ولجواره ايضا، فماذا سيستفيد الفلسطينيون اذا شاهدوا الأردن يتضرر داخليا، خصوصا، ان المطلوب محدد وواضح، اي ان يتضرر الاحتلال وحده، ويدفع الثمن، وليس ابناء هذه الأمة. في تصرفات كثيرة يبلور الأردنيون موقفا مهما مما يجري في قطاع غزة من المسيرات الى المقاطعة وغير ذلك من إصرار على قطع كل العلاقات مع اسرائيل، ويتجنبون الكثير من الاحتفاليات حتى على المستوى الشخصي، وهناك ادلة كثيرة على أن قضية فلسطين هي قضية أردنية مباشرة، لكن المؤشرات الاعمق التي يتم رصدها تؤشر إلى ما هو اخطر من كل هذا، اي التراجعات الاقتصادية، والمناخات المعنوية السيئة، والشعور بعدم اليقين بشأن المستقبل، وحالة الترقب التي تجمد كل شيء، وعلينا ان ننتبه هنا الى ان هذا كل ما تريده اسرائيل اصلا، اي معاقبة الشعوب العربية التي تناصر فلسطين، بوسائل داخلية، سببها عدم التمييز، أحيانا، بين الموقف المنتج لصالح فلسطين، والموقف الذي يتسبب بضرر داخل الأردن، وكأننا نعاقب انفسنا، في سلوك يعتبره الفلسطينيون داخل الضفة الغربية والقدس، غير مفيد اساسا لأحد. المطلوب هنا ليس ادارة الظهر لغزة، فلا عاش من يدير ظهره لها، ولكن المطلوب ان تكون اعيننا مفتوحة على الأردن، حتى يبقى، وهذا جهد شعبي، لا بد من ارفاقه بتدخل رسمي عميق لتحريك الداخل الأردني معنويا بشكل منطقي وعاقل، وتحفيزه اقتصاديا وسياسيا وحياتيا، دون ان نبقى اسرى لعقدة اتهامنا بكوننا ندير ظهرنا لغزة ولفلسطين، فلا احد اقرب منا في هذه الدنيا، لفلسطين واهلها وتاريخها.
التعليقات