جاءت استقالة حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، بحسب ما يتم تداوله، استجابة لـ'الإرادة الدولية'، وبعبارة أخرى استجابة للضغوط الأمريكية الغربية، التي تسعى لـ'إعادة إنتاج' السلطة أو 'تجديدها' لتتوافق مع المعايير الأمريكية في رؤيتها لإدارة قطاع غزة (إلى جانب الضفة الغربية) في ترتيبات ما يعرف باليوم التالي للحرب على غزة. ويأتي ذلك في ضوء الجهود الأمريكية لإقناع الإسرائيليين بقبول سلطة رام الله لإدارة القطاع، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يريد معايير أكثر تخاذلاً وخضوعاً وتعاوناً مما تفعله السلطة في رام الله؛ ويريد 'وكلاء احتلال' يرقصون على أنغامه. إن كان الأمر كذلك، فثمة ازدراء لعقول الشعب الفلسطيني وامتهان لكرامتهم. الاستقالة التي قدمها اشتية لعباس في 26 شباط/فبراير 2024 والتي قبلها عباس، تمت دون توافق وطني مسبق، واستبقت المباحثات الفلسطينية الداخلية بين الفصائل، وفتحت الطريق لفرض الأمر الواقع لـ'المرة الألف' لملاحقة السراب أو 'الجزرة' الأمريكية الصهيونية… والتجاوز المسبق لحماس وقوى المقاومة (التي ما زالت تخوض معارك وتقود صموداً أسطورياً)، ليس له معنى سوى احتقار الإرادة الشعبية الفلسطينية، والتجهُّز لإدارة قطاع غزة لمرحلة 'ما بعد حماس' وفق أحلام ورغائب تتقاطع مع الإرادة الأمريكية الإسرائيلية.
ويظهر أن الأداء الأسطوري للمقاومة في معركة طوفان الأقصى، وضرباتها النوعية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي أسقطت النظرية الأمنية للاحتلال، ومبرر وجوده ومبرر دوره الوظيفي في المنطقة، ووحشية العدوان الصهيوني ودمويّته ومجازره، واستشهاد وجرح أكثر من مئة ألف فلسطيني، والتفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة، وفقدان الثقة بسلطة رام الله، والمطالبة الشعبية الواسعة باستقالة عباس… كلُّ ذلك لم يقنع أبا مازن وقيادة فتح وسلطة رام الله بمراجعة أدائها في إدارة الملف الوطني الداخلي، وفي التوقف عن احتكار السلطة، وفي الانفتاح الجاد على القوى الفلسطينية الفاعلة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
*
ليس ثمة مشكلة في تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة تكنوقراط بعد الحرب، ولكن ذلك يجب أن يكون 'منتجاً وطنياً' لتوافق فلسطيني بين القوى الفاعلة، بحيث يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية وقرارها الوطني المستقل؛ ويعكس شروط وبيئات ومسارات مشروع التحرير؛ لا أن يكون نموذجاً جديداً لاستمرار عقلية الهيمنة لدى قيادة السلطة وفتح، وعقلية التكيُّف مع شروط الأمريكان والاحتلال.
إذا ما قام عباس بتكليف رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة تكنوقراط دون توافق فلسطيني مع حماس وقوى المقاومة، فسيكون ذلك قفزاً عن الحقائق على الأرض، وعن الأوزان الشعبية الحقيقية؛ ومجرد تغيير ديكوري لإبقاء خيوط اللعبة بيد عباس وفتح، ومزيداً من شراء الوقت للهرب من الاستحقاقات الكبرى لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس صحيحة. وهي عملية لا تنجز بشكل سليم 'شرعية فلسطينية'، بقدر ما تحاول 'شرعنة' قيادة سلطة رام الله لدى الأمريكان والاحتلال وبيئات التطبيع والانبطاح العربي، وهي بالتالي ليست إلا شكلاً جديداً للهروب من الأزمة بطريقة ستعيد إنتاج الأزمة من جديد. وستكون كتلك النعامة التي ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين!!
*
الاسم المرشح لرئاسة الوزراء لقيادة حكومة التكنوقراط هو محمد مصطفى وهو خبير اقتصادي فلسطيني. غير أن الطريقة التي يتم فيها عرض ترشيحه تسيء إليه قبل أن تسيء إلى غيره؛ فالمعيار المتداول هو أنه مقبول إسرائيلياً وأمريكياً وغربياً. وهو معيار مهين له، ومسيء للشعب الفلسطيني ولجهاده وبطولاته وللحقائق التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى. إذ إن الأصل أن يقال أنه مقبول من القوى الفلسطينية الأساسية (فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، الديموقراطية،…) أو أنه يحظى بقبول شعبي. أما أن يتم تسويقه كشخصية مقبولة لإدارة غزة ومستعدة للامتثال لشروط اجتثاث حماس، وضرب تنظيمها وبناها التحتية والعسكرية، وإحلال عناصر من ذلك 'الصنف' الذي تنتجه رام الله في قمع المقاومة والتنسيق الأمني مع الاحتلال… فهذا مرفوض وطنياً وشعبياً وأخلاقياً. وما نرجوه من محمد مصطفى أَلَّا يقبل التكليف إلا في إطار توافق وطني شامل ومسبق.
ليست حكومات التكنوقراط شكلاً جميلاً مرغوباً دائماً، ففي الحالة الفلسطينية حيث الاستقطاب الحاد، وحيث يكون التكنوقراط في كثير من الأحيان هم واجهة للقوى والجهات التي ترشحهم وتدعمهم؛ فإن تشكيل هكذا حكومات يجب أن يتم بناء على معايير دقيقة وواضحة متوافق عليها، وعلى أساس تنفيذ برنامج وطني يخدم أساساً تطلعات الشعب الفلسطيني وإرادته الحقيقية الحرة.
لقد كانت تجربة تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة سلام فياض سنة 2007 تجربة 'بئيسة' إذ إنها الحكومة التي كانت أداة بيد عباس (بمباركة أمريكية إسرائيلية) لاجتثاث حماس وقوى المقاومة في الضفة الغربية، ولإنتاج 'أبناء دايتون' من جماعة التنسيق الأمني مع الاحتلال؛ ولتعميق الانقسام الفلسطيني.
*
وأخيراً، فقد أفرزت معركة طوفان الأقصى حقائق واستحقاقات كبيرة أبرزها تعزيز إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره، وتعزيز الالتفاف العالمي حول ذلك. وبالتالي فليس من المعقول ولا من المتصور أن تأتي سلطة رام الله لتقوم بتشكيل حكومة أكثر خضوعاً لمتطلبات الأمريكان ومتطلبات الاحتلال وضمانات بقائه، بدل أن تستثمر في الأداء والإنجاز المقاوم وفي الصمود والتضحيات الشعبية. ليس مقبولاً أن تخذل سلطة رام الله شعبها وتدير ظهرها لتضحياته، وأن تقف مع الجانب الخطأ، وتسير عكس حركة التاريخ.
بقلم: أ. د. محسن محمد صالح
جاءت استقالة حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، بحسب ما يتم تداوله، استجابة لـ'الإرادة الدولية'، وبعبارة أخرى استجابة للضغوط الأمريكية الغربية، التي تسعى لـ'إعادة إنتاج' السلطة أو 'تجديدها' لتتوافق مع المعايير الأمريكية في رؤيتها لإدارة قطاع غزة (إلى جانب الضفة الغربية) في ترتيبات ما يعرف باليوم التالي للحرب على غزة. ويأتي ذلك في ضوء الجهود الأمريكية لإقناع الإسرائيليين بقبول سلطة رام الله لإدارة القطاع، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يريد معايير أكثر تخاذلاً وخضوعاً وتعاوناً مما تفعله السلطة في رام الله؛ ويريد 'وكلاء احتلال' يرقصون على أنغامه. إن كان الأمر كذلك، فثمة ازدراء لعقول الشعب الفلسطيني وامتهان لكرامتهم. الاستقالة التي قدمها اشتية لعباس في 26 شباط/فبراير 2024 والتي قبلها عباس، تمت دون توافق وطني مسبق، واستبقت المباحثات الفلسطينية الداخلية بين الفصائل، وفتحت الطريق لفرض الأمر الواقع لـ'المرة الألف' لملاحقة السراب أو 'الجزرة' الأمريكية الصهيونية… والتجاوز المسبق لحماس وقوى المقاومة (التي ما زالت تخوض معارك وتقود صموداً أسطورياً)، ليس له معنى سوى احتقار الإرادة الشعبية الفلسطينية، والتجهُّز لإدارة قطاع غزة لمرحلة 'ما بعد حماس' وفق أحلام ورغائب تتقاطع مع الإرادة الأمريكية الإسرائيلية.
ويظهر أن الأداء الأسطوري للمقاومة في معركة طوفان الأقصى، وضرباتها النوعية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي أسقطت النظرية الأمنية للاحتلال، ومبرر وجوده ومبرر دوره الوظيفي في المنطقة، ووحشية العدوان الصهيوني ودمويّته ومجازره، واستشهاد وجرح أكثر من مئة ألف فلسطيني، والتفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة، وفقدان الثقة بسلطة رام الله، والمطالبة الشعبية الواسعة باستقالة عباس… كلُّ ذلك لم يقنع أبا مازن وقيادة فتح وسلطة رام الله بمراجعة أدائها في إدارة الملف الوطني الداخلي، وفي التوقف عن احتكار السلطة، وفي الانفتاح الجاد على القوى الفلسطينية الفاعلة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
*
ليس ثمة مشكلة في تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة تكنوقراط بعد الحرب، ولكن ذلك يجب أن يكون 'منتجاً وطنياً' لتوافق فلسطيني بين القوى الفاعلة، بحيث يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية وقرارها الوطني المستقل؛ ويعكس شروط وبيئات ومسارات مشروع التحرير؛ لا أن يكون نموذجاً جديداً لاستمرار عقلية الهيمنة لدى قيادة السلطة وفتح، وعقلية التكيُّف مع شروط الأمريكان والاحتلال.
إذا ما قام عباس بتكليف رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة تكنوقراط دون توافق فلسطيني مع حماس وقوى المقاومة، فسيكون ذلك قفزاً عن الحقائق على الأرض، وعن الأوزان الشعبية الحقيقية؛ ومجرد تغيير ديكوري لإبقاء خيوط اللعبة بيد عباس وفتح، ومزيداً من شراء الوقت للهرب من الاستحقاقات الكبرى لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس صحيحة. وهي عملية لا تنجز بشكل سليم 'شرعية فلسطينية'، بقدر ما تحاول 'شرعنة' قيادة سلطة رام الله لدى الأمريكان والاحتلال وبيئات التطبيع والانبطاح العربي، وهي بالتالي ليست إلا شكلاً جديداً للهروب من الأزمة بطريقة ستعيد إنتاج الأزمة من جديد. وستكون كتلك النعامة التي ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين!!
*
الاسم المرشح لرئاسة الوزراء لقيادة حكومة التكنوقراط هو محمد مصطفى وهو خبير اقتصادي فلسطيني. غير أن الطريقة التي يتم فيها عرض ترشيحه تسيء إليه قبل أن تسيء إلى غيره؛ فالمعيار المتداول هو أنه مقبول إسرائيلياً وأمريكياً وغربياً. وهو معيار مهين له، ومسيء للشعب الفلسطيني ولجهاده وبطولاته وللحقائق التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى. إذ إن الأصل أن يقال أنه مقبول من القوى الفلسطينية الأساسية (فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، الديموقراطية،…) أو أنه يحظى بقبول شعبي. أما أن يتم تسويقه كشخصية مقبولة لإدارة غزة ومستعدة للامتثال لشروط اجتثاث حماس، وضرب تنظيمها وبناها التحتية والعسكرية، وإحلال عناصر من ذلك 'الصنف' الذي تنتجه رام الله في قمع المقاومة والتنسيق الأمني مع الاحتلال… فهذا مرفوض وطنياً وشعبياً وأخلاقياً. وما نرجوه من محمد مصطفى أَلَّا يقبل التكليف إلا في إطار توافق وطني شامل ومسبق.
ليست حكومات التكنوقراط شكلاً جميلاً مرغوباً دائماً، ففي الحالة الفلسطينية حيث الاستقطاب الحاد، وحيث يكون التكنوقراط في كثير من الأحيان هم واجهة للقوى والجهات التي ترشحهم وتدعمهم؛ فإن تشكيل هكذا حكومات يجب أن يتم بناء على معايير دقيقة وواضحة متوافق عليها، وعلى أساس تنفيذ برنامج وطني يخدم أساساً تطلعات الشعب الفلسطيني وإرادته الحقيقية الحرة.
لقد كانت تجربة تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة سلام فياض سنة 2007 تجربة 'بئيسة' إذ إنها الحكومة التي كانت أداة بيد عباس (بمباركة أمريكية إسرائيلية) لاجتثاث حماس وقوى المقاومة في الضفة الغربية، ولإنتاج 'أبناء دايتون' من جماعة التنسيق الأمني مع الاحتلال؛ ولتعميق الانقسام الفلسطيني.
*
وأخيراً، فقد أفرزت معركة طوفان الأقصى حقائق واستحقاقات كبيرة أبرزها تعزيز إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره، وتعزيز الالتفاف العالمي حول ذلك. وبالتالي فليس من المعقول ولا من المتصور أن تأتي سلطة رام الله لتقوم بتشكيل حكومة أكثر خضوعاً لمتطلبات الأمريكان ومتطلبات الاحتلال وضمانات بقائه، بدل أن تستثمر في الأداء والإنجاز المقاوم وفي الصمود والتضحيات الشعبية. ليس مقبولاً أن تخذل سلطة رام الله شعبها وتدير ظهرها لتضحياته، وأن تقف مع الجانب الخطأ، وتسير عكس حركة التاريخ.
بقلم: أ. د. محسن محمد صالح
جاءت استقالة حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، بحسب ما يتم تداوله، استجابة لـ'الإرادة الدولية'، وبعبارة أخرى استجابة للضغوط الأمريكية الغربية، التي تسعى لـ'إعادة إنتاج' السلطة أو 'تجديدها' لتتوافق مع المعايير الأمريكية في رؤيتها لإدارة قطاع غزة (إلى جانب الضفة الغربية) في ترتيبات ما يعرف باليوم التالي للحرب على غزة. ويأتي ذلك في ضوء الجهود الأمريكية لإقناع الإسرائيليين بقبول سلطة رام الله لإدارة القطاع، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يريد معايير أكثر تخاذلاً وخضوعاً وتعاوناً مما تفعله السلطة في رام الله؛ ويريد 'وكلاء احتلال' يرقصون على أنغامه. إن كان الأمر كذلك، فثمة ازدراء لعقول الشعب الفلسطيني وامتهان لكرامتهم. الاستقالة التي قدمها اشتية لعباس في 26 شباط/فبراير 2024 والتي قبلها عباس، تمت دون توافق وطني مسبق، واستبقت المباحثات الفلسطينية الداخلية بين الفصائل، وفتحت الطريق لفرض الأمر الواقع لـ'المرة الألف' لملاحقة السراب أو 'الجزرة' الأمريكية الصهيونية… والتجاوز المسبق لحماس وقوى المقاومة (التي ما زالت تخوض معارك وتقود صموداً أسطورياً)، ليس له معنى سوى احتقار الإرادة الشعبية الفلسطينية، والتجهُّز لإدارة قطاع غزة لمرحلة 'ما بعد حماس' وفق أحلام ورغائب تتقاطع مع الإرادة الأمريكية الإسرائيلية.
ويظهر أن الأداء الأسطوري للمقاومة في معركة طوفان الأقصى، وضرباتها النوعية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي أسقطت النظرية الأمنية للاحتلال، ومبرر وجوده ومبرر دوره الوظيفي في المنطقة، ووحشية العدوان الصهيوني ودمويّته ومجازره، واستشهاد وجرح أكثر من مئة ألف فلسطيني، والتفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة، وفقدان الثقة بسلطة رام الله، والمطالبة الشعبية الواسعة باستقالة عباس… كلُّ ذلك لم يقنع أبا مازن وقيادة فتح وسلطة رام الله بمراجعة أدائها في إدارة الملف الوطني الداخلي، وفي التوقف عن احتكار السلطة، وفي الانفتاح الجاد على القوى الفلسطينية الفاعلة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
*
ليس ثمة مشكلة في تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة تكنوقراط بعد الحرب، ولكن ذلك يجب أن يكون 'منتجاً وطنياً' لتوافق فلسطيني بين القوى الفاعلة، بحيث يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية وقرارها الوطني المستقل؛ ويعكس شروط وبيئات ومسارات مشروع التحرير؛ لا أن يكون نموذجاً جديداً لاستمرار عقلية الهيمنة لدى قيادة السلطة وفتح، وعقلية التكيُّف مع شروط الأمريكان والاحتلال.
إذا ما قام عباس بتكليف رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة تكنوقراط دون توافق فلسطيني مع حماس وقوى المقاومة، فسيكون ذلك قفزاً عن الحقائق على الأرض، وعن الأوزان الشعبية الحقيقية؛ ومجرد تغيير ديكوري لإبقاء خيوط اللعبة بيد عباس وفتح، ومزيداً من شراء الوقت للهرب من الاستحقاقات الكبرى لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس صحيحة. وهي عملية لا تنجز بشكل سليم 'شرعية فلسطينية'، بقدر ما تحاول 'شرعنة' قيادة سلطة رام الله لدى الأمريكان والاحتلال وبيئات التطبيع والانبطاح العربي، وهي بالتالي ليست إلا شكلاً جديداً للهروب من الأزمة بطريقة ستعيد إنتاج الأزمة من جديد. وستكون كتلك النعامة التي ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين!!
*
الاسم المرشح لرئاسة الوزراء لقيادة حكومة التكنوقراط هو محمد مصطفى وهو خبير اقتصادي فلسطيني. غير أن الطريقة التي يتم فيها عرض ترشيحه تسيء إليه قبل أن تسيء إلى غيره؛ فالمعيار المتداول هو أنه مقبول إسرائيلياً وأمريكياً وغربياً. وهو معيار مهين له، ومسيء للشعب الفلسطيني ولجهاده وبطولاته وللحقائق التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى. إذ إن الأصل أن يقال أنه مقبول من القوى الفلسطينية الأساسية (فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، الديموقراطية،…) أو أنه يحظى بقبول شعبي. أما أن يتم تسويقه كشخصية مقبولة لإدارة غزة ومستعدة للامتثال لشروط اجتثاث حماس، وضرب تنظيمها وبناها التحتية والعسكرية، وإحلال عناصر من ذلك 'الصنف' الذي تنتجه رام الله في قمع المقاومة والتنسيق الأمني مع الاحتلال… فهذا مرفوض وطنياً وشعبياً وأخلاقياً. وما نرجوه من محمد مصطفى أَلَّا يقبل التكليف إلا في إطار توافق وطني شامل ومسبق.
ليست حكومات التكنوقراط شكلاً جميلاً مرغوباً دائماً، ففي الحالة الفلسطينية حيث الاستقطاب الحاد، وحيث يكون التكنوقراط في كثير من الأحيان هم واجهة للقوى والجهات التي ترشحهم وتدعمهم؛ فإن تشكيل هكذا حكومات يجب أن يتم بناء على معايير دقيقة وواضحة متوافق عليها، وعلى أساس تنفيذ برنامج وطني يخدم أساساً تطلعات الشعب الفلسطيني وإرادته الحقيقية الحرة.
لقد كانت تجربة تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة سلام فياض سنة 2007 تجربة 'بئيسة' إذ إنها الحكومة التي كانت أداة بيد عباس (بمباركة أمريكية إسرائيلية) لاجتثاث حماس وقوى المقاومة في الضفة الغربية، ولإنتاج 'أبناء دايتون' من جماعة التنسيق الأمني مع الاحتلال؛ ولتعميق الانقسام الفلسطيني.
*
وأخيراً، فقد أفرزت معركة طوفان الأقصى حقائق واستحقاقات كبيرة أبرزها تعزيز إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره، وتعزيز الالتفاف العالمي حول ذلك. وبالتالي فليس من المعقول ولا من المتصور أن تأتي سلطة رام الله لتقوم بتشكيل حكومة أكثر خضوعاً لمتطلبات الأمريكان ومتطلبات الاحتلال وضمانات بقائه، بدل أن تستثمر في الأداء والإنجاز المقاوم وفي الصمود والتضحيات الشعبية. ليس مقبولاً أن تخذل سلطة رام الله شعبها وتدير ظهرها لتضحياته، وأن تقف مع الجانب الخطأ، وتسير عكس حركة التاريخ.
التعليقات