مهدي مبارك عبد الله
رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد 76 عام سيدة حديدية مستبدة ذات ملامح هندية وشعر مختلط بين السواد والبياض تعتبر أطول امرأة شغلت منصب رئيسة للوزراء وقد حكمت بلادها بالنار والحديد والدماء قرابة عقدين من الزمن وفي ايامها الاخيرة تعاظمت المظاهرات الطلابية والشبابية ضدها حتى وصلت مرحلة اللاعودة بإصرارهم على إسقاطها ودق مسمارا أخيرا في نعش سلطتها بعد 7 أشهر من احتفالها بفترة ولايتها الرابعة على التوالي والخامسة بوجه عام اثر فوزها بالانتخابات التي جرت في كانون الثاني الماضي دون وجود اي معارضة فعلية تنافسها ولم تفلح سياساتها بالوعيد والتهديد كما لم يخاف الناس من تصاعد عدد القتلى وقسوة تعامل عناصر الشرطة وجبروت ا قوات لجيش في مواجهتهم والتنكيل بهم.
المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة التي تمددت في مختلف أرجاء البلاد قادها الطلاب واستمرت شهرا و5 أيام اسفرت عن سقوط أكثر من 300 قتيل من المتظاهرين وعدد من افراد الشرطة ليعلن عقبها قائد الجيش وقار الزمان استقالت الشيخة حسينة من الحكم وهو التعبير الأكثر لباقة عن انقلاب عسكري حيث سبق لحسينة أن تذوقت طعمه المر وهي شابة عندما اغتيل والدها الشيخ مجيب الرحمن أول رئيس لبنغلاديش بعد انفصالها عن باكستان بعدما ساق والدها اكثر من 300 ألف شخص إلى المحاكم بتهمة التعاون مع باكستان وارتكاب جرائم حرب.
الشابة حسينة آنذاك نجت من الموت الذي اختطف عائلتها حيث كانت تزور وأختها ريحانة إحدى الدول الأوروبية لتنطلق لاحقا في مسار سياسي ونقابي قوي نقلها مع الزمن إلى رئاسة حزب رابطة عوامي الذي أسسه والدها مجيب الرحمن لتصبح مع مرور الزمن ثاني امرأة تحكم بنغلاديش بعد الشيخة خالدة ضياء التي تشترك مع حسينة في التهم الواسعة بالفساد والعنف وفي أنهما جاءتا من بيت حكم سياسي رفيع حيث سارت حسينة على خطى والدها المؤسس بينما خالدة تتبعت طريق زوجها الجنرال ضياء الرحمن الذي اغتيل في انقلاب عسكري سنة 1981.
بعد طوفان الانتفاضة الجماهيرية العارمة والعصيان المدني الواسع وتصاعد الاحتجاجات المطالبة باستقالة العجوز السبعينية ولشعورها بالخطر المحدق على حياتها بعد اقتحام المتظاهرين مقرها في دكا اضطرت على مغادرة البلاد على متن مروحية عسكرية متوجهة إلى الهند التي ضمنت سلامتها وهي الوجهة التي كانت متوقعة وغير مفاجئة بالنسبة لكثيرين لعلاقتها القوية مع عائلة حسينة والتي تعود لمرحلة انفصال بلاد البنغال عن باكستان بدعم قوي من الهند حيث ساعدت مجيب الرحمن ليتولى السلطة ويقيم أول نظام علماني عريق وموال للهند في وجه خصمها باكستان.
في الواقع العملي لطالما آذت والمت الشيخة حسينة شعبها بعدما انشأت دولة البوليس والقمع والمنع والسجن والإرهاب والإجرام ورعت المؤسسات المزورة ومافيات الحزب الواحد ونسجت صورة الرئيسة الأبدية والعائلة المقدسة وخلال عهدها الدموي البشع استشرى الاستبداد والظلم والفساد ونهب الثروات وسلب الحقوق والحريات والتمييز الى ان هربت كالجرذ المذعور وفي فلبها الفهر ورئاتها امتلأت بهواء الخوف والجزع والاستسلام وطلب النجاة والسلامة لتترك وراءها بلدا ملتهبا وممزق بفعل السياسات التي طبقتها خلال سنوات حكمها التي تميزت بتاريخ طويل من الدماء والجبروت والقهر وإطلاق يد الجيش والشرطة في قمع الخصوم وتوظيف القضاء لإصدار أحكام الإعدام والسجن والاعتقال حيث قضي عدد كبير من السجناء بقية أعمارهم في غياهب الزنازين او رحلوا الى القبور بدون محاكمة.
حيث وصل عدد المعتقلين جراء الاحتجاجات الأخيرة نحو 10 آلاف بينهم قرابة 36 طفل قتلوا بالرصاص في المظاهرات او في منازلهم وقد أعدمت بنغلاديش بموافقة حسينة في سنة 2013 أكثر من ألف شخص وفي سنة 2023 كان عدد المحكوم عليهم بالإعدام قد تجاوز 2400 فضلا عن اخرين كانوا ينتظرون حبل المشنقة أو الرمي بالرصاص كما وجد العديد من الحقوقيين والصحفيون والمدونون أنفسهم في مواجهة أحكام قاسية بسبب آراء أو تدوينات تنتقد حكومة حسينة كما لم تتساهل الدكتاتورة مع أي معارضة حتى لو بدت علمانية مستأنسة بسيطة وقد نالت قيادات الجماعة الإسلامية وعددا غير قليل من المثقفين والشباب والناشطين نصيب وافر من الإعدامات والسحن خلال السنوات الأخيرة ولكن المستغرب دائما كان قرارها المجحف بمصادرة بيوت من أعدموا
الشرارة الشعبية الغاضبة التي فسمت ظهر حكم حسينة بدأت بالاعتراض على نظام حصص الوظائف العامة الذي أقيم لأول مرة قبل أكثر من 5 عقود على يد والد الشيخة حسينة رئيس الوزراء حينها الشيخ مجيب الرحمن بغرض نظام خاص لتكريم احفاد المحاربين الذين شاركوا في حرب الانفصال عن باكستان عام 1971 بتخصيص نسبة معتبرة لهم من الوظائف والمناصب حيث وجد الشباب المنتفضون في هذا النظام تمييز وظلم كونه يحابي ويفضل أبناء المجموعات المؤيدة للحكومة التي تراسها حسينة قي بلد مكون من 170 مليون نسمة ويتشكل من قوميات واعراق متعددة وصلت نسبة البطالة فيه إلى أكثر من 18 مليون شاب
سقوط رئيسة الوزراء حسينة بهذا الشكل السريع والمدوي وهروبها المخزي لتعيش باقي عمرها ذليلة في المنفى مثل كل الطغاة الذين سبقوها انهى الكابوس المرعب الذي جثم على صدر شعب بنغلاديش سنوات عجاف ولهذا يتوجب ان تكون نهايتها المشينة عبرة وعضة ورسالة لكل الزعماء والقادة الطغاة والمستبدين الذين كانوا وراء كل المظالم والمآسي والفظاعات التي عاشتها شعوبهم وخاصة في المجال السياسي والحقوقي وليعلموا يقينا بان الشعوب المغلوبة على امرها لم تقبل بهم كحكام لعظمتهم او حكمتهم إنما فعلوا ذلك للسوط الرهيب الذي في ايديهم وها هو حينما يسقط سوطهم تُسحِقكم اقدام الشعوب بلا رحمة ليحفظهم التاريخ في اسوأ فصوله ومزابله القذرة
بنغلاديش رابع أكبر دولة إسلامية في العالم وبعد انتفاضة الشعب المجيدةُ التي فاجأت الجميع اصبحت تمر بمنعطف حاسم يفصل بين عهدين عهدٍ السقوط وعهدٍ بزوغ بشائر الاستقلال الحقيقي والانعتاق والتحرر لدخول حياة سياسية جديدة تتطلب تشكيل حكومة مؤقتة وتجنب الفوضى والتركيز على بناء نظام ديمقراطي يعكس تطلعات جيل الشباب المعاصر من خلال انتخاباتِ شفافة ونزيهة تمثل إرادة الشعب الحقيقية وسلطةِ التي لا تفارقها عينُ المراقبة الجادة والمراجعة الشجاعة.
من المعلوم جيدا انه عبر تاريخ الشعوب المنكوبة ما كان للطغاة أن يستمروا طويلا لولا أدواتهم وواجهاتهم وخدامهم الأوفياء والمنتفعون الذين يصنعون لهم شرعيةً ليستمن حقهم ويخلعُون عليهم صفات هم مجردون منها ويجملون وجوههم القبيحة ويبررون أفعالهم المُنكَرة ويسوّغون سياساتهم الظالمةَ
رئيسة وزراء بنجلاديش المجرمة الطاغية حسينة الهاربة هلعا امام جسارة وقوة الطلاب الغاضبين في مشهد بئيس ورديء وسخيف غير مأسوف عليها وتتبعها لعنات الأولين والآخرين حيثما حلت وارتحلت كانت من اسوأ نماذج الديكتاتوريات العالمية ونهايتها المشينة تعني الخلاص من عقود الظلم والفساد والاستبداد ومحاربة الإسلام واستباحة دماء العلماء الربانيين والناشطين الشرفاء حيث أعدمت قادة العمل الإسلامي من مختلف التيارات والاطياف وخصوصا الجماعة الإسلامية على مرأى ومسمع من العالم بعدما رفضت التدين وكبتت الحركات الإسلامية
بقى ان نبين ان مستقبل بنغلاديش بات معلقًا بين الأمل والخوف مع تطلع شعبها إلى نظام جديد يلبي تطلعاتهم ويضمن حقوقهم وحرياتهم وفي هذه اللحظات الحرجة يتحتم على قادة البلاد الجدد الاستفادة من دروس الماضي لبناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهارًا للجميع ويعلموا مسبقا ان هذه النهاية الطبيعية والكلاسيكية للأنظمة القمعية والديكتاتورية وحتى لا تدور عليهم الدوائر ينبغي ان يكونوا اكثر حذر وعقلانية وانسانية.
ختاما هل يتعلم الطغاة المستبدون والمتجبرون وتحديدا العرب والمسلمون من الدرس القاسي لذلة وهزيمة حسينة البغي والعدوان وهل يفهمون قبل فوات الأوان ان أول ما ينبغي عليهم استيعابُه من هذا الدرس البنجلادشي البليغ من بين معان أخرى ان العدل اساس الحكم وان اهانة وظلم وقهر الشعوب عاقبته وخيمة ولن تزول بمرور الزمن وأن الطغيانَ مَهْما ظهرَ عاليا وغالبا وقاهرا ومتمكنا ومتحكما فإن سقوطه واندحاره وذهابَ ريحه يمكن أن يتم في وقت وجيز وبما يُكذب كل حسابات الاستراتيجيين ويفند توقعاتِ المراقبين والمحللين ويفاجئ السياسيين اذا أذِن الله وقامت في الناس إرادة الثورة وروح الحرية ونزعة التغيير
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
[email protected]
مهدي مبارك عبد الله
رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد 76 عام سيدة حديدية مستبدة ذات ملامح هندية وشعر مختلط بين السواد والبياض تعتبر أطول امرأة شغلت منصب رئيسة للوزراء وقد حكمت بلادها بالنار والحديد والدماء قرابة عقدين من الزمن وفي ايامها الاخيرة تعاظمت المظاهرات الطلابية والشبابية ضدها حتى وصلت مرحلة اللاعودة بإصرارهم على إسقاطها ودق مسمارا أخيرا في نعش سلطتها بعد 7 أشهر من احتفالها بفترة ولايتها الرابعة على التوالي والخامسة بوجه عام اثر فوزها بالانتخابات التي جرت في كانون الثاني الماضي دون وجود اي معارضة فعلية تنافسها ولم تفلح سياساتها بالوعيد والتهديد كما لم يخاف الناس من تصاعد عدد القتلى وقسوة تعامل عناصر الشرطة وجبروت ا قوات لجيش في مواجهتهم والتنكيل بهم.
المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة التي تمددت في مختلف أرجاء البلاد قادها الطلاب واستمرت شهرا و5 أيام اسفرت عن سقوط أكثر من 300 قتيل من المتظاهرين وعدد من افراد الشرطة ليعلن عقبها قائد الجيش وقار الزمان استقالت الشيخة حسينة من الحكم وهو التعبير الأكثر لباقة عن انقلاب عسكري حيث سبق لحسينة أن تذوقت طعمه المر وهي شابة عندما اغتيل والدها الشيخ مجيب الرحمن أول رئيس لبنغلاديش بعد انفصالها عن باكستان بعدما ساق والدها اكثر من 300 ألف شخص إلى المحاكم بتهمة التعاون مع باكستان وارتكاب جرائم حرب.
الشابة حسينة آنذاك نجت من الموت الذي اختطف عائلتها حيث كانت تزور وأختها ريحانة إحدى الدول الأوروبية لتنطلق لاحقا في مسار سياسي ونقابي قوي نقلها مع الزمن إلى رئاسة حزب رابطة عوامي الذي أسسه والدها مجيب الرحمن لتصبح مع مرور الزمن ثاني امرأة تحكم بنغلاديش بعد الشيخة خالدة ضياء التي تشترك مع حسينة في التهم الواسعة بالفساد والعنف وفي أنهما جاءتا من بيت حكم سياسي رفيع حيث سارت حسينة على خطى والدها المؤسس بينما خالدة تتبعت طريق زوجها الجنرال ضياء الرحمن الذي اغتيل في انقلاب عسكري سنة 1981.
بعد طوفان الانتفاضة الجماهيرية العارمة والعصيان المدني الواسع وتصاعد الاحتجاجات المطالبة باستقالة العجوز السبعينية ولشعورها بالخطر المحدق على حياتها بعد اقتحام المتظاهرين مقرها في دكا اضطرت على مغادرة البلاد على متن مروحية عسكرية متوجهة إلى الهند التي ضمنت سلامتها وهي الوجهة التي كانت متوقعة وغير مفاجئة بالنسبة لكثيرين لعلاقتها القوية مع عائلة حسينة والتي تعود لمرحلة انفصال بلاد البنغال عن باكستان بدعم قوي من الهند حيث ساعدت مجيب الرحمن ليتولى السلطة ويقيم أول نظام علماني عريق وموال للهند في وجه خصمها باكستان.
في الواقع العملي لطالما آذت والمت الشيخة حسينة شعبها بعدما انشأت دولة البوليس والقمع والمنع والسجن والإرهاب والإجرام ورعت المؤسسات المزورة ومافيات الحزب الواحد ونسجت صورة الرئيسة الأبدية والعائلة المقدسة وخلال عهدها الدموي البشع استشرى الاستبداد والظلم والفساد ونهب الثروات وسلب الحقوق والحريات والتمييز الى ان هربت كالجرذ المذعور وفي فلبها الفهر ورئاتها امتلأت بهواء الخوف والجزع والاستسلام وطلب النجاة والسلامة لتترك وراءها بلدا ملتهبا وممزق بفعل السياسات التي طبقتها خلال سنوات حكمها التي تميزت بتاريخ طويل من الدماء والجبروت والقهر وإطلاق يد الجيش والشرطة في قمع الخصوم وتوظيف القضاء لإصدار أحكام الإعدام والسجن والاعتقال حيث قضي عدد كبير من السجناء بقية أعمارهم في غياهب الزنازين او رحلوا الى القبور بدون محاكمة.
حيث وصل عدد المعتقلين جراء الاحتجاجات الأخيرة نحو 10 آلاف بينهم قرابة 36 طفل قتلوا بالرصاص في المظاهرات او في منازلهم وقد أعدمت بنغلاديش بموافقة حسينة في سنة 2013 أكثر من ألف شخص وفي سنة 2023 كان عدد المحكوم عليهم بالإعدام قد تجاوز 2400 فضلا عن اخرين كانوا ينتظرون حبل المشنقة أو الرمي بالرصاص كما وجد العديد من الحقوقيين والصحفيون والمدونون أنفسهم في مواجهة أحكام قاسية بسبب آراء أو تدوينات تنتقد حكومة حسينة كما لم تتساهل الدكتاتورة مع أي معارضة حتى لو بدت علمانية مستأنسة بسيطة وقد نالت قيادات الجماعة الإسلامية وعددا غير قليل من المثقفين والشباب والناشطين نصيب وافر من الإعدامات والسحن خلال السنوات الأخيرة ولكن المستغرب دائما كان قرارها المجحف بمصادرة بيوت من أعدموا
الشرارة الشعبية الغاضبة التي فسمت ظهر حكم حسينة بدأت بالاعتراض على نظام حصص الوظائف العامة الذي أقيم لأول مرة قبل أكثر من 5 عقود على يد والد الشيخة حسينة رئيس الوزراء حينها الشيخ مجيب الرحمن بغرض نظام خاص لتكريم احفاد المحاربين الذين شاركوا في حرب الانفصال عن باكستان عام 1971 بتخصيص نسبة معتبرة لهم من الوظائف والمناصب حيث وجد الشباب المنتفضون في هذا النظام تمييز وظلم كونه يحابي ويفضل أبناء المجموعات المؤيدة للحكومة التي تراسها حسينة قي بلد مكون من 170 مليون نسمة ويتشكل من قوميات واعراق متعددة وصلت نسبة البطالة فيه إلى أكثر من 18 مليون شاب
سقوط رئيسة الوزراء حسينة بهذا الشكل السريع والمدوي وهروبها المخزي لتعيش باقي عمرها ذليلة في المنفى مثل كل الطغاة الذين سبقوها انهى الكابوس المرعب الذي جثم على صدر شعب بنغلاديش سنوات عجاف ولهذا يتوجب ان تكون نهايتها المشينة عبرة وعضة ورسالة لكل الزعماء والقادة الطغاة والمستبدين الذين كانوا وراء كل المظالم والمآسي والفظاعات التي عاشتها شعوبهم وخاصة في المجال السياسي والحقوقي وليعلموا يقينا بان الشعوب المغلوبة على امرها لم تقبل بهم كحكام لعظمتهم او حكمتهم إنما فعلوا ذلك للسوط الرهيب الذي في ايديهم وها هو حينما يسقط سوطهم تُسحِقكم اقدام الشعوب بلا رحمة ليحفظهم التاريخ في اسوأ فصوله ومزابله القذرة
بنغلاديش رابع أكبر دولة إسلامية في العالم وبعد انتفاضة الشعب المجيدةُ التي فاجأت الجميع اصبحت تمر بمنعطف حاسم يفصل بين عهدين عهدٍ السقوط وعهدٍ بزوغ بشائر الاستقلال الحقيقي والانعتاق والتحرر لدخول حياة سياسية جديدة تتطلب تشكيل حكومة مؤقتة وتجنب الفوضى والتركيز على بناء نظام ديمقراطي يعكس تطلعات جيل الشباب المعاصر من خلال انتخاباتِ شفافة ونزيهة تمثل إرادة الشعب الحقيقية وسلطةِ التي لا تفارقها عينُ المراقبة الجادة والمراجعة الشجاعة.
من المعلوم جيدا انه عبر تاريخ الشعوب المنكوبة ما كان للطغاة أن يستمروا طويلا لولا أدواتهم وواجهاتهم وخدامهم الأوفياء والمنتفعون الذين يصنعون لهم شرعيةً ليستمن حقهم ويخلعُون عليهم صفات هم مجردون منها ويجملون وجوههم القبيحة ويبررون أفعالهم المُنكَرة ويسوّغون سياساتهم الظالمةَ
رئيسة وزراء بنجلاديش المجرمة الطاغية حسينة الهاربة هلعا امام جسارة وقوة الطلاب الغاضبين في مشهد بئيس ورديء وسخيف غير مأسوف عليها وتتبعها لعنات الأولين والآخرين حيثما حلت وارتحلت كانت من اسوأ نماذج الديكتاتوريات العالمية ونهايتها المشينة تعني الخلاص من عقود الظلم والفساد والاستبداد ومحاربة الإسلام واستباحة دماء العلماء الربانيين والناشطين الشرفاء حيث أعدمت قادة العمل الإسلامي من مختلف التيارات والاطياف وخصوصا الجماعة الإسلامية على مرأى ومسمع من العالم بعدما رفضت التدين وكبتت الحركات الإسلامية
بقى ان نبين ان مستقبل بنغلاديش بات معلقًا بين الأمل والخوف مع تطلع شعبها إلى نظام جديد يلبي تطلعاتهم ويضمن حقوقهم وحرياتهم وفي هذه اللحظات الحرجة يتحتم على قادة البلاد الجدد الاستفادة من دروس الماضي لبناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهارًا للجميع ويعلموا مسبقا ان هذه النهاية الطبيعية والكلاسيكية للأنظمة القمعية والديكتاتورية وحتى لا تدور عليهم الدوائر ينبغي ان يكونوا اكثر حذر وعقلانية وانسانية.
ختاما هل يتعلم الطغاة المستبدون والمتجبرون وتحديدا العرب والمسلمون من الدرس القاسي لذلة وهزيمة حسينة البغي والعدوان وهل يفهمون قبل فوات الأوان ان أول ما ينبغي عليهم استيعابُه من هذا الدرس البنجلادشي البليغ من بين معان أخرى ان العدل اساس الحكم وان اهانة وظلم وقهر الشعوب عاقبته وخيمة ولن تزول بمرور الزمن وأن الطغيانَ مَهْما ظهرَ عاليا وغالبا وقاهرا ومتمكنا ومتحكما فإن سقوطه واندحاره وذهابَ ريحه يمكن أن يتم في وقت وجيز وبما يُكذب كل حسابات الاستراتيجيين ويفند توقعاتِ المراقبين والمحللين ويفاجئ السياسيين اذا أذِن الله وقامت في الناس إرادة الثورة وروح الحرية ونزعة التغيير
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
[email protected]
مهدي مبارك عبد الله
رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد 76 عام سيدة حديدية مستبدة ذات ملامح هندية وشعر مختلط بين السواد والبياض تعتبر أطول امرأة شغلت منصب رئيسة للوزراء وقد حكمت بلادها بالنار والحديد والدماء قرابة عقدين من الزمن وفي ايامها الاخيرة تعاظمت المظاهرات الطلابية والشبابية ضدها حتى وصلت مرحلة اللاعودة بإصرارهم على إسقاطها ودق مسمارا أخيرا في نعش سلطتها بعد 7 أشهر من احتفالها بفترة ولايتها الرابعة على التوالي والخامسة بوجه عام اثر فوزها بالانتخابات التي جرت في كانون الثاني الماضي دون وجود اي معارضة فعلية تنافسها ولم تفلح سياساتها بالوعيد والتهديد كما لم يخاف الناس من تصاعد عدد القتلى وقسوة تعامل عناصر الشرطة وجبروت ا قوات لجيش في مواجهتهم والتنكيل بهم.
المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة التي تمددت في مختلف أرجاء البلاد قادها الطلاب واستمرت شهرا و5 أيام اسفرت عن سقوط أكثر من 300 قتيل من المتظاهرين وعدد من افراد الشرطة ليعلن عقبها قائد الجيش وقار الزمان استقالت الشيخة حسينة من الحكم وهو التعبير الأكثر لباقة عن انقلاب عسكري حيث سبق لحسينة أن تذوقت طعمه المر وهي شابة عندما اغتيل والدها الشيخ مجيب الرحمن أول رئيس لبنغلاديش بعد انفصالها عن باكستان بعدما ساق والدها اكثر من 300 ألف شخص إلى المحاكم بتهمة التعاون مع باكستان وارتكاب جرائم حرب.
الشابة حسينة آنذاك نجت من الموت الذي اختطف عائلتها حيث كانت تزور وأختها ريحانة إحدى الدول الأوروبية لتنطلق لاحقا في مسار سياسي ونقابي قوي نقلها مع الزمن إلى رئاسة حزب رابطة عوامي الذي أسسه والدها مجيب الرحمن لتصبح مع مرور الزمن ثاني امرأة تحكم بنغلاديش بعد الشيخة خالدة ضياء التي تشترك مع حسينة في التهم الواسعة بالفساد والعنف وفي أنهما جاءتا من بيت حكم سياسي رفيع حيث سارت حسينة على خطى والدها المؤسس بينما خالدة تتبعت طريق زوجها الجنرال ضياء الرحمن الذي اغتيل في انقلاب عسكري سنة 1981.
بعد طوفان الانتفاضة الجماهيرية العارمة والعصيان المدني الواسع وتصاعد الاحتجاجات المطالبة باستقالة العجوز السبعينية ولشعورها بالخطر المحدق على حياتها بعد اقتحام المتظاهرين مقرها في دكا اضطرت على مغادرة البلاد على متن مروحية عسكرية متوجهة إلى الهند التي ضمنت سلامتها وهي الوجهة التي كانت متوقعة وغير مفاجئة بالنسبة لكثيرين لعلاقتها القوية مع عائلة حسينة والتي تعود لمرحلة انفصال بلاد البنغال عن باكستان بدعم قوي من الهند حيث ساعدت مجيب الرحمن ليتولى السلطة ويقيم أول نظام علماني عريق وموال للهند في وجه خصمها باكستان.
في الواقع العملي لطالما آذت والمت الشيخة حسينة شعبها بعدما انشأت دولة البوليس والقمع والمنع والسجن والإرهاب والإجرام ورعت المؤسسات المزورة ومافيات الحزب الواحد ونسجت صورة الرئيسة الأبدية والعائلة المقدسة وخلال عهدها الدموي البشع استشرى الاستبداد والظلم والفساد ونهب الثروات وسلب الحقوق والحريات والتمييز الى ان هربت كالجرذ المذعور وفي فلبها الفهر ورئاتها امتلأت بهواء الخوف والجزع والاستسلام وطلب النجاة والسلامة لتترك وراءها بلدا ملتهبا وممزق بفعل السياسات التي طبقتها خلال سنوات حكمها التي تميزت بتاريخ طويل من الدماء والجبروت والقهر وإطلاق يد الجيش والشرطة في قمع الخصوم وتوظيف القضاء لإصدار أحكام الإعدام والسجن والاعتقال حيث قضي عدد كبير من السجناء بقية أعمارهم في غياهب الزنازين او رحلوا الى القبور بدون محاكمة.
حيث وصل عدد المعتقلين جراء الاحتجاجات الأخيرة نحو 10 آلاف بينهم قرابة 36 طفل قتلوا بالرصاص في المظاهرات او في منازلهم وقد أعدمت بنغلاديش بموافقة حسينة في سنة 2013 أكثر من ألف شخص وفي سنة 2023 كان عدد المحكوم عليهم بالإعدام قد تجاوز 2400 فضلا عن اخرين كانوا ينتظرون حبل المشنقة أو الرمي بالرصاص كما وجد العديد من الحقوقيين والصحفيون والمدونون أنفسهم في مواجهة أحكام قاسية بسبب آراء أو تدوينات تنتقد حكومة حسينة كما لم تتساهل الدكتاتورة مع أي معارضة حتى لو بدت علمانية مستأنسة بسيطة وقد نالت قيادات الجماعة الإسلامية وعددا غير قليل من المثقفين والشباب والناشطين نصيب وافر من الإعدامات والسحن خلال السنوات الأخيرة ولكن المستغرب دائما كان قرارها المجحف بمصادرة بيوت من أعدموا
الشرارة الشعبية الغاضبة التي فسمت ظهر حكم حسينة بدأت بالاعتراض على نظام حصص الوظائف العامة الذي أقيم لأول مرة قبل أكثر من 5 عقود على يد والد الشيخة حسينة رئيس الوزراء حينها الشيخ مجيب الرحمن بغرض نظام خاص لتكريم احفاد المحاربين الذين شاركوا في حرب الانفصال عن باكستان عام 1971 بتخصيص نسبة معتبرة لهم من الوظائف والمناصب حيث وجد الشباب المنتفضون في هذا النظام تمييز وظلم كونه يحابي ويفضل أبناء المجموعات المؤيدة للحكومة التي تراسها حسينة قي بلد مكون من 170 مليون نسمة ويتشكل من قوميات واعراق متعددة وصلت نسبة البطالة فيه إلى أكثر من 18 مليون شاب
سقوط رئيسة الوزراء حسينة بهذا الشكل السريع والمدوي وهروبها المخزي لتعيش باقي عمرها ذليلة في المنفى مثل كل الطغاة الذين سبقوها انهى الكابوس المرعب الذي جثم على صدر شعب بنغلاديش سنوات عجاف ولهذا يتوجب ان تكون نهايتها المشينة عبرة وعضة ورسالة لكل الزعماء والقادة الطغاة والمستبدين الذين كانوا وراء كل المظالم والمآسي والفظاعات التي عاشتها شعوبهم وخاصة في المجال السياسي والحقوقي وليعلموا يقينا بان الشعوب المغلوبة على امرها لم تقبل بهم كحكام لعظمتهم او حكمتهم إنما فعلوا ذلك للسوط الرهيب الذي في ايديهم وها هو حينما يسقط سوطهم تُسحِقكم اقدام الشعوب بلا رحمة ليحفظهم التاريخ في اسوأ فصوله ومزابله القذرة
بنغلاديش رابع أكبر دولة إسلامية في العالم وبعد انتفاضة الشعب المجيدةُ التي فاجأت الجميع اصبحت تمر بمنعطف حاسم يفصل بين عهدين عهدٍ السقوط وعهدٍ بزوغ بشائر الاستقلال الحقيقي والانعتاق والتحرر لدخول حياة سياسية جديدة تتطلب تشكيل حكومة مؤقتة وتجنب الفوضى والتركيز على بناء نظام ديمقراطي يعكس تطلعات جيل الشباب المعاصر من خلال انتخاباتِ شفافة ونزيهة تمثل إرادة الشعب الحقيقية وسلطةِ التي لا تفارقها عينُ المراقبة الجادة والمراجعة الشجاعة.
من المعلوم جيدا انه عبر تاريخ الشعوب المنكوبة ما كان للطغاة أن يستمروا طويلا لولا أدواتهم وواجهاتهم وخدامهم الأوفياء والمنتفعون الذين يصنعون لهم شرعيةً ليستمن حقهم ويخلعُون عليهم صفات هم مجردون منها ويجملون وجوههم القبيحة ويبررون أفعالهم المُنكَرة ويسوّغون سياساتهم الظالمةَ
رئيسة وزراء بنجلاديش المجرمة الطاغية حسينة الهاربة هلعا امام جسارة وقوة الطلاب الغاضبين في مشهد بئيس ورديء وسخيف غير مأسوف عليها وتتبعها لعنات الأولين والآخرين حيثما حلت وارتحلت كانت من اسوأ نماذج الديكتاتوريات العالمية ونهايتها المشينة تعني الخلاص من عقود الظلم والفساد والاستبداد ومحاربة الإسلام واستباحة دماء العلماء الربانيين والناشطين الشرفاء حيث أعدمت قادة العمل الإسلامي من مختلف التيارات والاطياف وخصوصا الجماعة الإسلامية على مرأى ومسمع من العالم بعدما رفضت التدين وكبتت الحركات الإسلامية
بقى ان نبين ان مستقبل بنغلاديش بات معلقًا بين الأمل والخوف مع تطلع شعبها إلى نظام جديد يلبي تطلعاتهم ويضمن حقوقهم وحرياتهم وفي هذه اللحظات الحرجة يتحتم على قادة البلاد الجدد الاستفادة من دروس الماضي لبناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهارًا للجميع ويعلموا مسبقا ان هذه النهاية الطبيعية والكلاسيكية للأنظمة القمعية والديكتاتورية وحتى لا تدور عليهم الدوائر ينبغي ان يكونوا اكثر حذر وعقلانية وانسانية.
ختاما هل يتعلم الطغاة المستبدون والمتجبرون وتحديدا العرب والمسلمون من الدرس القاسي لذلة وهزيمة حسينة البغي والعدوان وهل يفهمون قبل فوات الأوان ان أول ما ينبغي عليهم استيعابُه من هذا الدرس البنجلادشي البليغ من بين معان أخرى ان العدل اساس الحكم وان اهانة وظلم وقهر الشعوب عاقبته وخيمة ولن تزول بمرور الزمن وأن الطغيانَ مَهْما ظهرَ عاليا وغالبا وقاهرا ومتمكنا ومتحكما فإن سقوطه واندحاره وذهابَ ريحه يمكن أن يتم في وقت وجيز وبما يُكذب كل حسابات الاستراتيجيين ويفند توقعاتِ المراقبين والمحللين ويفاجئ السياسيين اذا أذِن الله وقامت في الناس إرادة الثورة وروح الحرية ونزعة التغيير
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
[email protected]
التعليقات