عرفت زيد الرفاعي في عمر مبكر، كنت في العشرين من العمر، وصدام حسين للتو اجتاح الكويت عام 1990، والصاعقة تنزلت على المنطقة والأردن، والكل يشعر بقلق شديد.
كان زيد الرفاعي قد خرج من الحكومة بعد ظروف معروفة عام 1989، وليس هنا محل النقاش حولها، وما هو جذرها الأساس، وكيف حدثت، فتلك قصة حساسة جدا تروى في زمن آخر.
كنت مع ثلة من طلبة تخصص الصحافة في جامعة اليرموك ننشغل بكل شيء من الحكومة التي غادرت، إلى صدام حسين الذي اجتاح الكويت، وقد قلت يومها للرفاق التائهين في الجامعة إنني سأحاول زيارة زيد الرفاعي للتعرف عليه، والاستماع منه حول قضايا مختلفة، تخص الأردن والإقليم، وللحقيقة التي لا تنسى تندّر علي هؤلاء وسخروا مني بكون مخططك مستحيل التنفيذ، فأنت شاب صغير متهور ولا يعرفك أحد، وهو من أعمدة الأردن السياسية، فلماذا يضيّع وقته معك، خصوصا، أن الدنيا في ذلك الوقت كانت فوق بركان؟. تملكتني الجرأة يومها، كنت عائدا من إربد إلى عمان نهاية الأسبوع، ومن هاتف بيت والدي الأرضي، اتصلت على منزله، بعد أن جلبت رقم هاتف منزله من دليل الهاتف، وطلبت الحديث معه، عاد إلي من استقبل مكالمتي بعد دقيقة، وحولني على الرئيس، عرّفته على نفسي بكوني طالب صحافة في السنة الثانية، وأرغب بزيارته، من أجل الاستماع والحوار، دون نيّة نشر المقابلة بطبيعة الحال، ودون شرح مفصل عن السبب الذي يجعلني أزوره كأول سياسي بهذه المكانة في الأردن خلال دراستي للصحافة، في فترات يتلهّى فيها الطلبة بمشاغل ثانية. أعطاني موعدا في اليوم التالي، ذهبت إليه مستعملا 6 أنواع من الباصات الصغيرة، وسيارات السرفيس حتى أصل بيته، وكان كل ما أمتلكه في حياتي عقلي المرهق بالأسئلة، وجرأة لا أعرف مصدرها، ويحذر أهلي من كلفتها حتى اليوم، استقبلني بكل ترحاب، وبين سؤال وجواب، خاض معي نقاشا طويلا، حتى نسيت أنني مجرد طالب صحافة، وكان يجيب بالتفصيل، ويعطيني إشارات ثقة بحق نفسي، حين لا يصدّ الأسئلة ولا ينتقص محتواها. لا أنسى جملته الشهيرة التي تثبت مدى حكمة الرجل، وعمقه، وحنكته في قراءة الواقع السياسي، حين سألته عن اجتياح صدام للكويت آنذاك، وما الذي يعنيه ذلك، وقد كنّا مع بقية الطلبة نظن أن تلك الفعلة ستحرر القمر والشمس، لقلة خبرة فينا، وقال لي يومها، بعد شرح مفصّل أن 'صدام نحر العراق وانتحر'، وحين سألته عن معنى الجملة.. لم يتحفظ، ولم يكن يقصد أي معنى عدائي بحق العراق أو رئاسته، لكنه كان يقصد أن الخطوة ستؤدي لاحقا وبشكل إستراتيجي إلى تداعيات دولية ونتائج كارثية، تدمّر العراق، وتنهي صدام حسين، وهذا ما حدث فعليا، عبر تدمير جيش العراق، والحصار الظالم على الشعب العراقي، وعبر احتلال العراق، وما جرى لصدام حسين في 2003، وهذه القدرة على التحليل السياسي، واستباق النتائج بوقت كبير تركت علي أثرا حادا، بشأن أهمية استبصار السياسي والإعلامي لغوامض المستقبل. رحل الرجل وقد بقيت علاقتي معه قوية، طوال عقود، وكنت أزوره دائما، ويعلمك الكثير حول الأردن وأسرار المعادلات الدولية، ويترفع دائما عن الخصومات الصغيرة، وكان له دور مهم في تاريخ الأردن، وسواء اتفقت معه سياسيا أو اختلفت، فلا يمكن الحديث عن الرجل بشكل عابر، فقد بقي قويا ثابتا في محطات مزلزلة كانت الدولة فيها مهددة بالفناء أو الإنهاء، فوق أنه احتمل أيضا كلفا كثيرة لحملات سياسية وإعلامية تم شنها عليه في مراحل مختلفة، وكان يعرف مَنْ خَلفها، وبقي برغم ذلك صبورا ولم تنفلت ردود فعله، أو أعصابه، بما يمثله من رجل دولة. لم أعتدْ الكتابة عن الراحلين، وربما هذه أول مقالة في حياتي أخصصها لشخصية رحلت عن عالمنا، وكان بودي أن أقول الكثير عن الرجل، مما أعرفه، لكن المجالس أمانات، والرحيل هنا موجع لعائلته، ولمن يعرفونه عن قرب، وهو رحيل يسدل الستار على شخصية بارزة في تاريخ الأردن تمكنت أيضا عبر رؤيتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية واتصالاتها من تعزيز مكانة الأردن، وصَون وجوده، وهو أيضا الذي كان جزءا أساسيا من تاريخ الأردن. لزيد الرفاعي الرحمة والمغفرة.
ماهر أبو طير
عرفت زيد الرفاعي في عمر مبكر، كنت في العشرين من العمر، وصدام حسين للتو اجتاح الكويت عام 1990، والصاعقة تنزلت على المنطقة والأردن، والكل يشعر بقلق شديد.
كان زيد الرفاعي قد خرج من الحكومة بعد ظروف معروفة عام 1989، وليس هنا محل النقاش حولها، وما هو جذرها الأساس، وكيف حدثت، فتلك قصة حساسة جدا تروى في زمن آخر.
كنت مع ثلة من طلبة تخصص الصحافة في جامعة اليرموك ننشغل بكل شيء من الحكومة التي غادرت، إلى صدام حسين الذي اجتاح الكويت، وقد قلت يومها للرفاق التائهين في الجامعة إنني سأحاول زيارة زيد الرفاعي للتعرف عليه، والاستماع منه حول قضايا مختلفة، تخص الأردن والإقليم، وللحقيقة التي لا تنسى تندّر علي هؤلاء وسخروا مني بكون مخططك مستحيل التنفيذ، فأنت شاب صغير متهور ولا يعرفك أحد، وهو من أعمدة الأردن السياسية، فلماذا يضيّع وقته معك، خصوصا، أن الدنيا في ذلك الوقت كانت فوق بركان؟. تملكتني الجرأة يومها، كنت عائدا من إربد إلى عمان نهاية الأسبوع، ومن هاتف بيت والدي الأرضي، اتصلت على منزله، بعد أن جلبت رقم هاتف منزله من دليل الهاتف، وطلبت الحديث معه، عاد إلي من استقبل مكالمتي بعد دقيقة، وحولني على الرئيس، عرّفته على نفسي بكوني طالب صحافة في السنة الثانية، وأرغب بزيارته، من أجل الاستماع والحوار، دون نيّة نشر المقابلة بطبيعة الحال، ودون شرح مفصل عن السبب الذي يجعلني أزوره كأول سياسي بهذه المكانة في الأردن خلال دراستي للصحافة، في فترات يتلهّى فيها الطلبة بمشاغل ثانية. أعطاني موعدا في اليوم التالي، ذهبت إليه مستعملا 6 أنواع من الباصات الصغيرة، وسيارات السرفيس حتى أصل بيته، وكان كل ما أمتلكه في حياتي عقلي المرهق بالأسئلة، وجرأة لا أعرف مصدرها، ويحذر أهلي من كلفتها حتى اليوم، استقبلني بكل ترحاب، وبين سؤال وجواب، خاض معي نقاشا طويلا، حتى نسيت أنني مجرد طالب صحافة، وكان يجيب بالتفصيل، ويعطيني إشارات ثقة بحق نفسي، حين لا يصدّ الأسئلة ولا ينتقص محتواها. لا أنسى جملته الشهيرة التي تثبت مدى حكمة الرجل، وعمقه، وحنكته في قراءة الواقع السياسي، حين سألته عن اجتياح صدام للكويت آنذاك، وما الذي يعنيه ذلك، وقد كنّا مع بقية الطلبة نظن أن تلك الفعلة ستحرر القمر والشمس، لقلة خبرة فينا، وقال لي يومها، بعد شرح مفصّل أن 'صدام نحر العراق وانتحر'، وحين سألته عن معنى الجملة.. لم يتحفظ، ولم يكن يقصد أي معنى عدائي بحق العراق أو رئاسته، لكنه كان يقصد أن الخطوة ستؤدي لاحقا وبشكل إستراتيجي إلى تداعيات دولية ونتائج كارثية، تدمّر العراق، وتنهي صدام حسين، وهذا ما حدث فعليا، عبر تدمير جيش العراق، والحصار الظالم على الشعب العراقي، وعبر احتلال العراق، وما جرى لصدام حسين في 2003، وهذه القدرة على التحليل السياسي، واستباق النتائج بوقت كبير تركت علي أثرا حادا، بشأن أهمية استبصار السياسي والإعلامي لغوامض المستقبل. رحل الرجل وقد بقيت علاقتي معه قوية، طوال عقود، وكنت أزوره دائما، ويعلمك الكثير حول الأردن وأسرار المعادلات الدولية، ويترفع دائما عن الخصومات الصغيرة، وكان له دور مهم في تاريخ الأردن، وسواء اتفقت معه سياسيا أو اختلفت، فلا يمكن الحديث عن الرجل بشكل عابر، فقد بقي قويا ثابتا في محطات مزلزلة كانت الدولة فيها مهددة بالفناء أو الإنهاء، فوق أنه احتمل أيضا كلفا كثيرة لحملات سياسية وإعلامية تم شنها عليه في مراحل مختلفة، وكان يعرف مَنْ خَلفها، وبقي برغم ذلك صبورا ولم تنفلت ردود فعله، أو أعصابه، بما يمثله من رجل دولة. لم أعتدْ الكتابة عن الراحلين، وربما هذه أول مقالة في حياتي أخصصها لشخصية رحلت عن عالمنا، وكان بودي أن أقول الكثير عن الرجل، مما أعرفه، لكن المجالس أمانات، والرحيل هنا موجع لعائلته، ولمن يعرفونه عن قرب، وهو رحيل يسدل الستار على شخصية بارزة في تاريخ الأردن تمكنت أيضا عبر رؤيتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية واتصالاتها من تعزيز مكانة الأردن، وصَون وجوده، وهو أيضا الذي كان جزءا أساسيا من تاريخ الأردن. لزيد الرفاعي الرحمة والمغفرة.
ماهر أبو طير
عرفت زيد الرفاعي في عمر مبكر، كنت في العشرين من العمر، وصدام حسين للتو اجتاح الكويت عام 1990، والصاعقة تنزلت على المنطقة والأردن، والكل يشعر بقلق شديد.
كان زيد الرفاعي قد خرج من الحكومة بعد ظروف معروفة عام 1989، وليس هنا محل النقاش حولها، وما هو جذرها الأساس، وكيف حدثت، فتلك قصة حساسة جدا تروى في زمن آخر.
كنت مع ثلة من طلبة تخصص الصحافة في جامعة اليرموك ننشغل بكل شيء من الحكومة التي غادرت، إلى صدام حسين الذي اجتاح الكويت، وقد قلت يومها للرفاق التائهين في الجامعة إنني سأحاول زيارة زيد الرفاعي للتعرف عليه، والاستماع منه حول قضايا مختلفة، تخص الأردن والإقليم، وللحقيقة التي لا تنسى تندّر علي هؤلاء وسخروا مني بكون مخططك مستحيل التنفيذ، فأنت شاب صغير متهور ولا يعرفك أحد، وهو من أعمدة الأردن السياسية، فلماذا يضيّع وقته معك، خصوصا، أن الدنيا في ذلك الوقت كانت فوق بركان؟. تملكتني الجرأة يومها، كنت عائدا من إربد إلى عمان نهاية الأسبوع، ومن هاتف بيت والدي الأرضي، اتصلت على منزله، بعد أن جلبت رقم هاتف منزله من دليل الهاتف، وطلبت الحديث معه، عاد إلي من استقبل مكالمتي بعد دقيقة، وحولني على الرئيس، عرّفته على نفسي بكوني طالب صحافة في السنة الثانية، وأرغب بزيارته، من أجل الاستماع والحوار، دون نيّة نشر المقابلة بطبيعة الحال، ودون شرح مفصل عن السبب الذي يجعلني أزوره كأول سياسي بهذه المكانة في الأردن خلال دراستي للصحافة، في فترات يتلهّى فيها الطلبة بمشاغل ثانية. أعطاني موعدا في اليوم التالي، ذهبت إليه مستعملا 6 أنواع من الباصات الصغيرة، وسيارات السرفيس حتى أصل بيته، وكان كل ما أمتلكه في حياتي عقلي المرهق بالأسئلة، وجرأة لا أعرف مصدرها، ويحذر أهلي من كلفتها حتى اليوم، استقبلني بكل ترحاب، وبين سؤال وجواب، خاض معي نقاشا طويلا، حتى نسيت أنني مجرد طالب صحافة، وكان يجيب بالتفصيل، ويعطيني إشارات ثقة بحق نفسي، حين لا يصدّ الأسئلة ولا ينتقص محتواها. لا أنسى جملته الشهيرة التي تثبت مدى حكمة الرجل، وعمقه، وحنكته في قراءة الواقع السياسي، حين سألته عن اجتياح صدام للكويت آنذاك، وما الذي يعنيه ذلك، وقد كنّا مع بقية الطلبة نظن أن تلك الفعلة ستحرر القمر والشمس، لقلة خبرة فينا، وقال لي يومها، بعد شرح مفصّل أن 'صدام نحر العراق وانتحر'، وحين سألته عن معنى الجملة.. لم يتحفظ، ولم يكن يقصد أي معنى عدائي بحق العراق أو رئاسته، لكنه كان يقصد أن الخطوة ستؤدي لاحقا وبشكل إستراتيجي إلى تداعيات دولية ونتائج كارثية، تدمّر العراق، وتنهي صدام حسين، وهذا ما حدث فعليا، عبر تدمير جيش العراق، والحصار الظالم على الشعب العراقي، وعبر احتلال العراق، وما جرى لصدام حسين في 2003، وهذه القدرة على التحليل السياسي، واستباق النتائج بوقت كبير تركت علي أثرا حادا، بشأن أهمية استبصار السياسي والإعلامي لغوامض المستقبل. رحل الرجل وقد بقيت علاقتي معه قوية، طوال عقود، وكنت أزوره دائما، ويعلمك الكثير حول الأردن وأسرار المعادلات الدولية، ويترفع دائما عن الخصومات الصغيرة، وكان له دور مهم في تاريخ الأردن، وسواء اتفقت معه سياسيا أو اختلفت، فلا يمكن الحديث عن الرجل بشكل عابر، فقد بقي قويا ثابتا في محطات مزلزلة كانت الدولة فيها مهددة بالفناء أو الإنهاء، فوق أنه احتمل أيضا كلفا كثيرة لحملات سياسية وإعلامية تم شنها عليه في مراحل مختلفة، وكان يعرف مَنْ خَلفها، وبقي برغم ذلك صبورا ولم تنفلت ردود فعله، أو أعصابه، بما يمثله من رجل دولة. لم أعتدْ الكتابة عن الراحلين، وربما هذه أول مقالة في حياتي أخصصها لشخصية رحلت عن عالمنا، وكان بودي أن أقول الكثير عن الرجل، مما أعرفه، لكن المجالس أمانات، والرحيل هنا موجع لعائلته، ولمن يعرفونه عن قرب، وهو رحيل يسدل الستار على شخصية بارزة في تاريخ الأردن تمكنت أيضا عبر رؤيتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية واتصالاتها من تعزيز مكانة الأردن، وصَون وجوده، وهو أيضا الذي كان جزءا أساسيا من تاريخ الأردن. لزيد الرفاعي الرحمة والمغفرة.
التعليقات