إِذاً هِيَ ذِكريات بِتعنّ وبتروح .. رُغماً عَن أَنف صاحِبها .. رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى لِأَجدني استسيغها أَكثر مِن الأولى وراقبتُ سطح الفِنجان وشَعَرتُ بِأَنّني بَدَأَتُ أَفهَم عليه أَكثَر ولا أَدري الشّكل الذي تَكوّن هَل هُوَ أَقرَب للرَقَم (4) أَو لِحَرف ((M أَو لِحَرف (W) أَم لِرَقَم (3) باللغة الانجليزيّة حَسَب الزّاوية التي تراه مِنها وهُنا .. خطرلي أَنّ أَحياناً جَميع وِجهات النَّظَر تَكون صَحيحَة ولكنّ تَختَلِف الزّاوية التي يَنظُر مِنها المُتَكَلِّم فَلَو نَظرتَ لِحَرف (M) مِن أَسفَل لَرَأيتَه (W) والعكس بالعكس ! ولَو قلبته جِهَة اليَمين لَكانَ الرَّقم (4) باللّغة العربيّة ولو قلبته لكانَ الرّقم (3) باللّغة الانجليزيّة فمعظم خِلافاتِنا هي ليست خلافات بالأصل بَل هِيَ اختِلاف في الزّاوية البعديّة وفي التّحليل ، وأَحياناً عَدَم وضوح الرُّؤيا والاستماع لطرف واحد دون الآخر ..
فالإٍنسان العاقِل كَما القاضي العادِل يجب أَن يَسمع من طرفي المُشكلة وأن يضع نفسه مَكان الطّرف الآخر قبل اتّخاذ القَرار .. كَثيراً ما أُواجه مُشكِلَة باتّخاذ قَرار ضِدّ زَميل مُقَرَّب لي بالعَمَل لاقترافِه خَطَأ ما والقانون يَقتَضي ذلك ، وغالِباً ما أَستدعيه وأَقول له لو كنت مَكاني ماذا كُنت سَتَفعل ؟! المُعظَم يجلد نَفسه ويَكون قَراره أَقسى مِن قَراري بِكَثير! أَرخيتُ سَمَعي لِسَيّدتي فَيروز ..
عدّيت الأسامي ومحيت الأسامي .. ونامي يا عينيّي إذا رح فيكي تنامي .. وبعدو هالحنين من خلف الحنين بالدّمع يغرّقني بأسامي المنسيّين .. تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين ..
شُعور غَريب يُسَيطِر عَلى المَشهَد كُلَّما حاولتَ استِرجاع الذّكريات مِن خِلال مُشاهدة البوم صورك القَديمة ، كَم تَتَفاجَأ بِأَنّك قَد نَسيت الكَثير مِن أَصحاب الصُّوَر فَبَعضُ الصُّوَر تَتَعانَق بِها مَع صَديق لا تعرف اسمه ولا أي مَعلومة عَنه ولكنّ الغَريب كيف كُنتما صَديقين إِلى دَرجة العِناق وهو الآن مَع المنسيين الذين لا تذكر اسمهم ولا أَي مَعلومة عَنهم ! وصُوَر أُخرى تَتَمَنّى لَو أَنّك مزّقتها ولم ترها أَصلاً لِأَنّ مَن فيها أَصبحوا ألدّ الأَعداء وهُم ممن تَرميهم في الذّاكِرَة المَنسيّة ، بَل وفي كُلّ مَرّة تُمزّق صُوَراً جَديدَة كَي لا تَعود لِرُؤيتها مُجَدَّداً!
ولكنّ الحَنين الغَريب للماضي يبقى بِلا هويّة .. ضائِع بين مَجموعة مِن الأَحداث والأَشخاص ، تائِه يُقلّب أَوراق الماضي يُنَبّش في الذّاكِرَة فعلّه يَجِد ما يُشبِع ظَمأه ، فتَراك تَزور بِذاكِرَتِك بيتك القَديم تَتَلَمّس جِدرانه وأَبوابه وتَمُرّ في الأَزِقَّة وتَتَذَكّر الجيران وبائِع الدُّكان وذلك الجار الذي كُلّما ذهبت الكُرة لعنده مزّقها بالسّكين وخرج لَنا مُهدِّداً ! وتضع لك ذاكرتك فيلماً وثائِقيًّا يرسم أَدقّ التَّفاصيل ويتركك للبَحث عَن شيء تَفتَقِده بِشِدَّة وبِدون وَعي ، وأَحياناً تَبحَث عَبثاً عَن شيء تعرف ماهيّته وتعرف مكانه ولكنّك لا تُريد أَن تَجِده لأَنّ مُتعَة البَحث تَفوق مُتعَة اللّقاء أَو لخشيتك مِن هذا اللّقاء لأَنّه سيفتح أَمام قلبك وذاكرتك طُرُقاً وأَبواب قَضَيتَ أَوقاتاً طَويلَة لإِغلاقها .. ورجِعتُ لِفَيروز ..
أنا خوفي يا حبّي لتكون بعدك حبّي .. ومتهيّألي نسيتك وإنت مخبّى بقلبي .. وبتودّي الحنين، ليليّة الحنين .. يشلحني بالمنفى، بعيونك الحلوين .. تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين ..
أَنا أعرف أنّني أَهرب مِن حُبّك الذي يسكن أَعماق قَلبي وأُحاوِل عَبثاً أَن أدّعي أَنّني قَد نَسيته ولكنّ كانَ أَقوى من النّسيان .. ولكنّ لِماذا تَقودني ذاكرتي إِلَيك إِلى تَفاصيل وجهك وإِلى الطُّرقات التي سِرنا بِها مَعاً كُلّ كَلِمَة هَمَسناها وكُلّ عِبارَة نَطقناها إِلى أَوّل وردة أهديتُكَ إِيّاها ، أَو رِسالَة وَرَقيّة كتبتها لك ما زِلتُ أَذكُر كَلِماتها والمَكان الذي اقتَبَستُ مِنه أَبيات الشّعر .. تعصف فيّ مَرّة واحِدَة .. كذلك هُناك بعض الأَحداث في حياة كُل مِنّا عصيَّة على النّسيان سِواء أَكانت مُحبَّبة أَم مَكروهَة .. تَسرق مِنّا النّوم وتجعل أَحدنا يهيم في عالَم أَرشيفي مِن الذّاكِرَة طويلَة المَدى ..
رَشَفتُ رَشفَةً مِن الفِنجان .. الذي شُقّ فيه طَريق عَريض لَم يلبث أَن تَقلّص وذاب وهرب نَحوَ جوانِب الفِنجان.. كأَنّ الطّريق هذه هي الرِّحلَة الأَرشيفيّة المَليئَة بالصّور والأَحداث التي تحملني ذاكرتي إِلَيها .. لا تلبث أَن تَختفي وتعود لتَختَبِئ في أماكنها لتخرج مَرَّة أُخرى كُلَّما أَصابَني داء الحَنين .. ولكنّ هل الوَفاء للذكريات مَطلوب ؟ أَم أَنّ نوع الذّكريات هو الذي يُحَدِّد هل الوَفاء واجِب أَم أَنّ النّسيان أَكثر وجوباً ؟! فهل مِن العَيب أَن تَنسى أَصدقائك القُدامى ؟! أَو جيرانك القُدامى ؟! أَو سيّارتك القَديمة ؟! وهل الذي يَعيش بالماضي هو الشّخص الذي لَم يستطع إيجاد واقِع أَجمَل لِذا فإِنّه لا يَسترجِع إِلّا الذِّكريات الجَميلَة في الماضي أَمّا مَن استطاع خلق واقِع أَجمَل فغالِباً لا يَعود للماضي ؟! ودليل ذلك أَنّنا في الدُّوَل العربيَّة لا تَتَحَدَّث إِلا عَن الماضي لأَنّ واقعنا سيّء وماضينا جَميل فنُحاوِل نسيان الواقِع بِتَذَكّر الماضي والتّغني فيه.. رُبَّما
وَرَشَفتُ آخر رَشفَة مِن الفِنجان وابتَسَمت .. لأنّني مِن الأَشخاص الذين يحبّون الحاضِر والمُستَقبَل أَكثَر مِن الماضي ، الماضي يعصف بالذّكريات حلوها ومرّها أَمّا الواقِع والمُستَقبَل فَأَنا أَسعى ليكون جَميلٌ فقط بإِذن الله دونَ مَرارة فيكفينا المُرّ الذي أَصابَ قلوبنا في الأَيّام الماضية .. وأُحاوِل أَن أَترك في ذاكرة الآخر ما يجعلني في الذّاكِرَة العصيّة عَلى النِّسيان .. وتَذَكّرتُ فَجأَة أَنّ أَفنان لَم تُخبرني شَيئاً عَن مَصير فِنجاني المَجهول ..
ناديت .. أَفنان .. أَفنان .. لم تأتِ أَفنان ولم أعرف مَصير فِنجاني العَزيز .. لَم أَستطيع الهروب من ذاكرتي التي عصفت بي بأَحداث كثيرة من عشرات السّنين ، أَحداث وذكريات تَزاحَمَت في ذهني وصُوَر تَتَقَلّب جَميلَة ومُخيفَة دافِئَة وباردة مشاعِر ألقت بثقلها عَلى صَدري وعَقلي وقَلبي وحاولتُ الفَرار مِنها مُسرِعاً .. خرجتُ من مَكتَبي مُتذرّعاً بالسُّؤال عَن أَفنان ولكنّ الواقِع هُوَ الهروب مِن تِلكَ الذّكريات التي أَرخت بثقلها عليّ فصادفتُ أَحد أَصدِقائي القُدامى والذي جاءَ مِن السَّفر لِزيارتي أهلاً.. سنوات طِوال لم نَرى بعضنا البعض ولكنّ المَشاعر كَما هي ، أهلاً وسهلاً صَديقي القَديم وجلسنا سَويًّا وأَعدنا شريط الذّكريات الذي كانَ أَصلاً يَدور في ذِهني .. وانغَمَسنا في حَديث جَميل الذّكريات فقط ولكن هُناك ما كان يشغل بالي فِنجان قهوتي واختفاء أفنان تَرى ما الذي حَصَل بِهما ؟! .. وكانَت فَيروز تُعيد من بعيد ويكأَنّها تَراني وتُخاطبني ..
أَنا عندي حَنين ما بَعرف لمين .. ليليّة بيخطفني من بين السّهرانين ..
إِذاً هِيَ ذِكريات بِتعنّ وبتروح .. رُغماً عَن أَنف صاحِبها .. رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى لِأَجدني استسيغها أَكثر مِن الأولى وراقبتُ سطح الفِنجان وشَعَرتُ بِأَنّني بَدَأَتُ أَفهَم عليه أَكثَر ولا أَدري الشّكل الذي تَكوّن هَل هُوَ أَقرَب للرَقَم (4) أَو لِحَرف ((M أَو لِحَرف (W) أَم لِرَقَم (3) باللغة الانجليزيّة حَسَب الزّاوية التي تراه مِنها وهُنا .. خطرلي أَنّ أَحياناً جَميع وِجهات النَّظَر تَكون صَحيحَة ولكنّ تَختَلِف الزّاوية التي يَنظُر مِنها المُتَكَلِّم فَلَو نَظرتَ لِحَرف (M) مِن أَسفَل لَرَأيتَه (W) والعكس بالعكس ! ولَو قلبته جِهَة اليَمين لَكانَ الرَّقم (4) باللّغة العربيّة ولو قلبته لكانَ الرّقم (3) باللّغة الانجليزيّة فمعظم خِلافاتِنا هي ليست خلافات بالأصل بَل هِيَ اختِلاف في الزّاوية البعديّة وفي التّحليل ، وأَحياناً عَدَم وضوح الرُّؤيا والاستماع لطرف واحد دون الآخر ..
فالإٍنسان العاقِل كَما القاضي العادِل يجب أَن يَسمع من طرفي المُشكلة وأن يضع نفسه مَكان الطّرف الآخر قبل اتّخاذ القَرار .. كَثيراً ما أُواجه مُشكِلَة باتّخاذ قَرار ضِدّ زَميل مُقَرَّب لي بالعَمَل لاقترافِه خَطَأ ما والقانون يَقتَضي ذلك ، وغالِباً ما أَستدعيه وأَقول له لو كنت مَكاني ماذا كُنت سَتَفعل ؟! المُعظَم يجلد نَفسه ويَكون قَراره أَقسى مِن قَراري بِكَثير! أَرخيتُ سَمَعي لِسَيّدتي فَيروز ..
عدّيت الأسامي ومحيت الأسامي .. ونامي يا عينيّي إذا رح فيكي تنامي .. وبعدو هالحنين من خلف الحنين بالدّمع يغرّقني بأسامي المنسيّين .. تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين ..
شُعور غَريب يُسَيطِر عَلى المَشهَد كُلَّما حاولتَ استِرجاع الذّكريات مِن خِلال مُشاهدة البوم صورك القَديمة ، كَم تَتَفاجَأ بِأَنّك قَد نَسيت الكَثير مِن أَصحاب الصُّوَر فَبَعضُ الصُّوَر تَتَعانَق بِها مَع صَديق لا تعرف اسمه ولا أي مَعلومة عَنه ولكنّ الغَريب كيف كُنتما صَديقين إِلى دَرجة العِناق وهو الآن مَع المنسيين الذين لا تذكر اسمهم ولا أَي مَعلومة عَنهم ! وصُوَر أُخرى تَتَمَنّى لَو أَنّك مزّقتها ولم ترها أَصلاً لِأَنّ مَن فيها أَصبحوا ألدّ الأَعداء وهُم ممن تَرميهم في الذّاكِرَة المَنسيّة ، بَل وفي كُلّ مَرّة تُمزّق صُوَراً جَديدَة كَي لا تَعود لِرُؤيتها مُجَدَّداً!
ولكنّ الحَنين الغَريب للماضي يبقى بِلا هويّة .. ضائِع بين مَجموعة مِن الأَحداث والأَشخاص ، تائِه يُقلّب أَوراق الماضي يُنَبّش في الذّاكِرَة فعلّه يَجِد ما يُشبِع ظَمأه ، فتَراك تَزور بِذاكِرَتِك بيتك القَديم تَتَلَمّس جِدرانه وأَبوابه وتَمُرّ في الأَزِقَّة وتَتَذَكّر الجيران وبائِع الدُّكان وذلك الجار الذي كُلّما ذهبت الكُرة لعنده مزّقها بالسّكين وخرج لَنا مُهدِّداً ! وتضع لك ذاكرتك فيلماً وثائِقيًّا يرسم أَدقّ التَّفاصيل ويتركك للبَحث عَن شيء تَفتَقِده بِشِدَّة وبِدون وَعي ، وأَحياناً تَبحَث عَبثاً عَن شيء تعرف ماهيّته وتعرف مكانه ولكنّك لا تُريد أَن تَجِده لأَنّ مُتعَة البَحث تَفوق مُتعَة اللّقاء أَو لخشيتك مِن هذا اللّقاء لأَنّه سيفتح أَمام قلبك وذاكرتك طُرُقاً وأَبواب قَضَيتَ أَوقاتاً طَويلَة لإِغلاقها .. ورجِعتُ لِفَيروز ..
أنا خوفي يا حبّي لتكون بعدك حبّي .. ومتهيّألي نسيتك وإنت مخبّى بقلبي .. وبتودّي الحنين، ليليّة الحنين .. يشلحني بالمنفى، بعيونك الحلوين .. تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين ..
أَنا أعرف أنّني أَهرب مِن حُبّك الذي يسكن أَعماق قَلبي وأُحاوِل عَبثاً أَن أدّعي أَنّني قَد نَسيته ولكنّ كانَ أَقوى من النّسيان .. ولكنّ لِماذا تَقودني ذاكرتي إِلَيك إِلى تَفاصيل وجهك وإِلى الطُّرقات التي سِرنا بِها مَعاً كُلّ كَلِمَة هَمَسناها وكُلّ عِبارَة نَطقناها إِلى أَوّل وردة أهديتُكَ إِيّاها ، أَو رِسالَة وَرَقيّة كتبتها لك ما زِلتُ أَذكُر كَلِماتها والمَكان الذي اقتَبَستُ مِنه أَبيات الشّعر .. تعصف فيّ مَرّة واحِدَة .. كذلك هُناك بعض الأَحداث في حياة كُل مِنّا عصيَّة على النّسيان سِواء أَكانت مُحبَّبة أَم مَكروهَة .. تَسرق مِنّا النّوم وتجعل أَحدنا يهيم في عالَم أَرشيفي مِن الذّاكِرَة طويلَة المَدى ..
رَشَفتُ رَشفَةً مِن الفِنجان .. الذي شُقّ فيه طَريق عَريض لَم يلبث أَن تَقلّص وذاب وهرب نَحوَ جوانِب الفِنجان.. كأَنّ الطّريق هذه هي الرِّحلَة الأَرشيفيّة المَليئَة بالصّور والأَحداث التي تحملني ذاكرتي إِلَيها .. لا تلبث أَن تَختفي وتعود لتَختَبِئ في أماكنها لتخرج مَرَّة أُخرى كُلَّما أَصابَني داء الحَنين .. ولكنّ هل الوَفاء للذكريات مَطلوب ؟ أَم أَنّ نوع الذّكريات هو الذي يُحَدِّد هل الوَفاء واجِب أَم أَنّ النّسيان أَكثر وجوباً ؟! فهل مِن العَيب أَن تَنسى أَصدقائك القُدامى ؟! أَو جيرانك القُدامى ؟! أَو سيّارتك القَديمة ؟! وهل الذي يَعيش بالماضي هو الشّخص الذي لَم يستطع إيجاد واقِع أَجمَل لِذا فإِنّه لا يَسترجِع إِلّا الذِّكريات الجَميلَة في الماضي أَمّا مَن استطاع خلق واقِع أَجمَل فغالِباً لا يَعود للماضي ؟! ودليل ذلك أَنّنا في الدُّوَل العربيَّة لا تَتَحَدَّث إِلا عَن الماضي لأَنّ واقعنا سيّء وماضينا جَميل فنُحاوِل نسيان الواقِع بِتَذَكّر الماضي والتّغني فيه.. رُبَّما
وَرَشَفتُ آخر رَشفَة مِن الفِنجان وابتَسَمت .. لأنّني مِن الأَشخاص الذين يحبّون الحاضِر والمُستَقبَل أَكثَر مِن الماضي ، الماضي يعصف بالذّكريات حلوها ومرّها أَمّا الواقِع والمُستَقبَل فَأَنا أَسعى ليكون جَميلٌ فقط بإِذن الله دونَ مَرارة فيكفينا المُرّ الذي أَصابَ قلوبنا في الأَيّام الماضية .. وأُحاوِل أَن أَترك في ذاكرة الآخر ما يجعلني في الذّاكِرَة العصيّة عَلى النِّسيان .. وتَذَكّرتُ فَجأَة أَنّ أَفنان لَم تُخبرني شَيئاً عَن مَصير فِنجاني المَجهول ..
ناديت .. أَفنان .. أَفنان .. لم تأتِ أَفنان ولم أعرف مَصير فِنجاني العَزيز .. لَم أَستطيع الهروب من ذاكرتي التي عصفت بي بأَحداث كثيرة من عشرات السّنين ، أَحداث وذكريات تَزاحَمَت في ذهني وصُوَر تَتَقَلّب جَميلَة ومُخيفَة دافِئَة وباردة مشاعِر ألقت بثقلها عَلى صَدري وعَقلي وقَلبي وحاولتُ الفَرار مِنها مُسرِعاً .. خرجتُ من مَكتَبي مُتذرّعاً بالسُّؤال عَن أَفنان ولكنّ الواقِع هُوَ الهروب مِن تِلكَ الذّكريات التي أَرخت بثقلها عليّ فصادفتُ أَحد أَصدِقائي القُدامى والذي جاءَ مِن السَّفر لِزيارتي أهلاً.. سنوات طِوال لم نَرى بعضنا البعض ولكنّ المَشاعر كَما هي ، أهلاً وسهلاً صَديقي القَديم وجلسنا سَويًّا وأَعدنا شريط الذّكريات الذي كانَ أَصلاً يَدور في ذِهني .. وانغَمَسنا في حَديث جَميل الذّكريات فقط ولكن هُناك ما كان يشغل بالي فِنجان قهوتي واختفاء أفنان تَرى ما الذي حَصَل بِهما ؟! .. وكانَت فَيروز تُعيد من بعيد ويكأَنّها تَراني وتُخاطبني ..
أَنا عندي حَنين ما بَعرف لمين .. ليليّة بيخطفني من بين السّهرانين ..
إِذاً هِيَ ذِكريات بِتعنّ وبتروح .. رُغماً عَن أَنف صاحِبها .. رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى لِأَجدني استسيغها أَكثر مِن الأولى وراقبتُ سطح الفِنجان وشَعَرتُ بِأَنّني بَدَأَتُ أَفهَم عليه أَكثَر ولا أَدري الشّكل الذي تَكوّن هَل هُوَ أَقرَب للرَقَم (4) أَو لِحَرف ((M أَو لِحَرف (W) أَم لِرَقَم (3) باللغة الانجليزيّة حَسَب الزّاوية التي تراه مِنها وهُنا .. خطرلي أَنّ أَحياناً جَميع وِجهات النَّظَر تَكون صَحيحَة ولكنّ تَختَلِف الزّاوية التي يَنظُر مِنها المُتَكَلِّم فَلَو نَظرتَ لِحَرف (M) مِن أَسفَل لَرَأيتَه (W) والعكس بالعكس ! ولَو قلبته جِهَة اليَمين لَكانَ الرَّقم (4) باللّغة العربيّة ولو قلبته لكانَ الرّقم (3) باللّغة الانجليزيّة فمعظم خِلافاتِنا هي ليست خلافات بالأصل بَل هِيَ اختِلاف في الزّاوية البعديّة وفي التّحليل ، وأَحياناً عَدَم وضوح الرُّؤيا والاستماع لطرف واحد دون الآخر ..
فالإٍنسان العاقِل كَما القاضي العادِل يجب أَن يَسمع من طرفي المُشكلة وأن يضع نفسه مَكان الطّرف الآخر قبل اتّخاذ القَرار .. كَثيراً ما أُواجه مُشكِلَة باتّخاذ قَرار ضِدّ زَميل مُقَرَّب لي بالعَمَل لاقترافِه خَطَأ ما والقانون يَقتَضي ذلك ، وغالِباً ما أَستدعيه وأَقول له لو كنت مَكاني ماذا كُنت سَتَفعل ؟! المُعظَم يجلد نَفسه ويَكون قَراره أَقسى مِن قَراري بِكَثير! أَرخيتُ سَمَعي لِسَيّدتي فَيروز ..
عدّيت الأسامي ومحيت الأسامي .. ونامي يا عينيّي إذا رح فيكي تنامي .. وبعدو هالحنين من خلف الحنين بالدّمع يغرّقني بأسامي المنسيّين .. تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين ..
شُعور غَريب يُسَيطِر عَلى المَشهَد كُلَّما حاولتَ استِرجاع الذّكريات مِن خِلال مُشاهدة البوم صورك القَديمة ، كَم تَتَفاجَأ بِأَنّك قَد نَسيت الكَثير مِن أَصحاب الصُّوَر فَبَعضُ الصُّوَر تَتَعانَق بِها مَع صَديق لا تعرف اسمه ولا أي مَعلومة عَنه ولكنّ الغَريب كيف كُنتما صَديقين إِلى دَرجة العِناق وهو الآن مَع المنسيين الذين لا تذكر اسمهم ولا أَي مَعلومة عَنهم ! وصُوَر أُخرى تَتَمَنّى لَو أَنّك مزّقتها ولم ترها أَصلاً لِأَنّ مَن فيها أَصبحوا ألدّ الأَعداء وهُم ممن تَرميهم في الذّاكِرَة المَنسيّة ، بَل وفي كُلّ مَرّة تُمزّق صُوَراً جَديدَة كَي لا تَعود لِرُؤيتها مُجَدَّداً!
ولكنّ الحَنين الغَريب للماضي يبقى بِلا هويّة .. ضائِع بين مَجموعة مِن الأَحداث والأَشخاص ، تائِه يُقلّب أَوراق الماضي يُنَبّش في الذّاكِرَة فعلّه يَجِد ما يُشبِع ظَمأه ، فتَراك تَزور بِذاكِرَتِك بيتك القَديم تَتَلَمّس جِدرانه وأَبوابه وتَمُرّ في الأَزِقَّة وتَتَذَكّر الجيران وبائِع الدُّكان وذلك الجار الذي كُلّما ذهبت الكُرة لعنده مزّقها بالسّكين وخرج لَنا مُهدِّداً ! وتضع لك ذاكرتك فيلماً وثائِقيًّا يرسم أَدقّ التَّفاصيل ويتركك للبَحث عَن شيء تَفتَقِده بِشِدَّة وبِدون وَعي ، وأَحياناً تَبحَث عَبثاً عَن شيء تعرف ماهيّته وتعرف مكانه ولكنّك لا تُريد أَن تَجِده لأَنّ مُتعَة البَحث تَفوق مُتعَة اللّقاء أَو لخشيتك مِن هذا اللّقاء لأَنّه سيفتح أَمام قلبك وذاكرتك طُرُقاً وأَبواب قَضَيتَ أَوقاتاً طَويلَة لإِغلاقها .. ورجِعتُ لِفَيروز ..
أنا خوفي يا حبّي لتكون بعدك حبّي .. ومتهيّألي نسيتك وإنت مخبّى بقلبي .. وبتودّي الحنين، ليليّة الحنين .. يشلحني بالمنفى، بعيونك الحلوين .. تَ أعرف لمين.. وما بعرف لمين ..
أَنا أعرف أنّني أَهرب مِن حُبّك الذي يسكن أَعماق قَلبي وأُحاوِل عَبثاً أَن أدّعي أَنّني قَد نَسيته ولكنّ كانَ أَقوى من النّسيان .. ولكنّ لِماذا تَقودني ذاكرتي إِلَيك إِلى تَفاصيل وجهك وإِلى الطُّرقات التي سِرنا بِها مَعاً كُلّ كَلِمَة هَمَسناها وكُلّ عِبارَة نَطقناها إِلى أَوّل وردة أهديتُكَ إِيّاها ، أَو رِسالَة وَرَقيّة كتبتها لك ما زِلتُ أَذكُر كَلِماتها والمَكان الذي اقتَبَستُ مِنه أَبيات الشّعر .. تعصف فيّ مَرّة واحِدَة .. كذلك هُناك بعض الأَحداث في حياة كُل مِنّا عصيَّة على النّسيان سِواء أَكانت مُحبَّبة أَم مَكروهَة .. تَسرق مِنّا النّوم وتجعل أَحدنا يهيم في عالَم أَرشيفي مِن الذّاكِرَة طويلَة المَدى ..
رَشَفتُ رَشفَةً مِن الفِنجان .. الذي شُقّ فيه طَريق عَريض لَم يلبث أَن تَقلّص وذاب وهرب نَحوَ جوانِب الفِنجان.. كأَنّ الطّريق هذه هي الرِّحلَة الأَرشيفيّة المَليئَة بالصّور والأَحداث التي تحملني ذاكرتي إِلَيها .. لا تلبث أَن تَختفي وتعود لتَختَبِئ في أماكنها لتخرج مَرَّة أُخرى كُلَّما أَصابَني داء الحَنين .. ولكنّ هل الوَفاء للذكريات مَطلوب ؟ أَم أَنّ نوع الذّكريات هو الذي يُحَدِّد هل الوَفاء واجِب أَم أَنّ النّسيان أَكثر وجوباً ؟! فهل مِن العَيب أَن تَنسى أَصدقائك القُدامى ؟! أَو جيرانك القُدامى ؟! أَو سيّارتك القَديمة ؟! وهل الذي يَعيش بالماضي هو الشّخص الذي لَم يستطع إيجاد واقِع أَجمَل لِذا فإِنّه لا يَسترجِع إِلّا الذِّكريات الجَميلَة في الماضي أَمّا مَن استطاع خلق واقِع أَجمَل فغالِباً لا يَعود للماضي ؟! ودليل ذلك أَنّنا في الدُّوَل العربيَّة لا تَتَحَدَّث إِلا عَن الماضي لأَنّ واقعنا سيّء وماضينا جَميل فنُحاوِل نسيان الواقِع بِتَذَكّر الماضي والتّغني فيه.. رُبَّما
وَرَشَفتُ آخر رَشفَة مِن الفِنجان وابتَسَمت .. لأنّني مِن الأَشخاص الذين يحبّون الحاضِر والمُستَقبَل أَكثَر مِن الماضي ، الماضي يعصف بالذّكريات حلوها ومرّها أَمّا الواقِع والمُستَقبَل فَأَنا أَسعى ليكون جَميلٌ فقط بإِذن الله دونَ مَرارة فيكفينا المُرّ الذي أَصابَ قلوبنا في الأَيّام الماضية .. وأُحاوِل أَن أَترك في ذاكرة الآخر ما يجعلني في الذّاكِرَة العصيّة عَلى النِّسيان .. وتَذَكّرتُ فَجأَة أَنّ أَفنان لَم تُخبرني شَيئاً عَن مَصير فِنجاني المَجهول ..
ناديت .. أَفنان .. أَفنان .. لم تأتِ أَفنان ولم أعرف مَصير فِنجاني العَزيز .. لَم أَستطيع الهروب من ذاكرتي التي عصفت بي بأَحداث كثيرة من عشرات السّنين ، أَحداث وذكريات تَزاحَمَت في ذهني وصُوَر تَتَقَلّب جَميلَة ومُخيفَة دافِئَة وباردة مشاعِر ألقت بثقلها عَلى صَدري وعَقلي وقَلبي وحاولتُ الفَرار مِنها مُسرِعاً .. خرجتُ من مَكتَبي مُتذرّعاً بالسُّؤال عَن أَفنان ولكنّ الواقِع هُوَ الهروب مِن تِلكَ الذّكريات التي أَرخت بثقلها عليّ فصادفتُ أَحد أَصدِقائي القُدامى والذي جاءَ مِن السَّفر لِزيارتي أهلاً.. سنوات طِوال لم نَرى بعضنا البعض ولكنّ المَشاعر كَما هي ، أهلاً وسهلاً صَديقي القَديم وجلسنا سَويًّا وأَعدنا شريط الذّكريات الذي كانَ أَصلاً يَدور في ذِهني .. وانغَمَسنا في حَديث جَميل الذّكريات فقط ولكن هُناك ما كان يشغل بالي فِنجان قهوتي واختفاء أفنان تَرى ما الذي حَصَل بِهما ؟! .. وكانَت فَيروز تُعيد من بعيد ويكأَنّها تَراني وتُخاطبني ..
أَنا عندي حَنين ما بَعرف لمين .. ليليّة بيخطفني من بين السّهرانين ..
التعليقات