في يناير الماضي، أُعلن عن الاتفاق الذي وُصف بأنه 'الأصعب' للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من 15 شهرا بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، وعشرات الجلسات بين القاهرة والدوحة لمحاولة عديدة لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكلل بالنجاح إلا مؤخرا.
وتزامنا مع ذلك، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا مؤثرا لطبيبة أطفال أمريكية، تدعى سيما جيلاني، تكشف خلاله معاناتها لإنقاذ الأطفال في قطاع غزة التي باءت بالفشل، لقى ردود فعل واسعة بالمجتمع الدولي.
وسيما جيلاني، الطبيبة المتخصصة في طب الأطفال، عملت في أفغانستان وإسرائيل وغزة والضفة الغربية والسودان ولبنان ومصر والبلقان، وتم ترشيح فيلمها الوثائقي الإذاعي، إسرائيل وفلسطين: التكلفة البشرية للاحتلال، لجائزة بيبودي الأمريكية الشهيرة.
وروت الطبيبة، في مقالها: 'إلى الطفل المجهول: حاولت إنقاذ حياتك الصغيرة في مستشفى غزة، والآن يطاردني وجهك'، قصتها مع طفل صغير من أطفال قطاع غزة، حاولت إنقاذه محاولات جميعها باءت بالفشل، لتروي معاناة آلاف الأطفال الفلسطينيين مع الموت.
وقالت الطبيبة الأمريكية مخاطبة الطفل: عندما دخلت إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الأقصى في غزة خلال ساعات الصباح الباكر، بخدودك الممتلئة الحمراء بسبب برودة الليل، ورموشك الثقيلة بسبب الدموع التي تقطر من عينيك، حاولت أن أنقذك وأقوم بعملي.
وتابعت: رأيتك وشظايا الزجاج الناجمة عن انفجار ناجم عن غارة جوية إسرائيلية تمزق ذراعيك وساقيك الصغيرتين، بدأت أنظف الجروح وأخيطك دون حتى ذرة من مسكنات الألم، لقد كان عذابا لكلا منا، انتهى بأن أكتب لك ملاحظة بالمتابعة بعد خمسة أيام 'لإزالة الغرز بعد الإصابة نتيجة الانفجار'.
وأضافت الطبيبة محدثة الطفل: تمر الأيام، تعود إلى غرفة الطوارئ، هذه المرة بلا حراك، وبلون أزرق، بعدما تركت غارة جوية إسرائيلية أخرى في دير البلح شظايا عالقة في دماغك، مما تسبب في تناثر الدم على جمجمتك، وشعرك البني الكثيف متشابك مع الدم المتجمد، ما جعل من الصعب فحص فروة رأسك، لتتحسس أصابعي النبض، أولاً فخذك الداخلي، ثم رقبتك، لكن اللحم محترق للغاية بحيث لا يمكن تحديده.
وتابعت الطبيبة: بدأت تتحسس قفازاتي الزرقاء فمك المفتوح المترهل، أدخل أنبوب التنفس، تمامًا كما تم تدريبي، وأوجه بتصوير الصدر بالأشعة السينية، التي كشفت عن ثاني أكسيد الكربون مع تغير لون جسدك الأزرق إلى الأصفر، الأصفر يعني 'نعم، لقد أدخلت الأنبوب بشكل صحيح في القصبة الهوائية، وليس المريء'.
وأضافت: بدأت أجري عملية الإنعاش وفقًا للقواعد تمامًا، أشاهدك تتأرجح بين عالم الأحياء وعالم الملائكة، بينما لا يزال النبض مفقودًا، أطلب من زميلي أن يحاول في حالة أن ارتعاشي هو السبب.
وأردفت الطبيبة الأمريكية متأثرة: عندما صعدت روحك بجانبي، هل كان الشيطان هناك أيضًا، يرى خطاياي؟، سرعان ما عادت بي ذاكرتي: هل هذا نتيجة تقصير في دراستي؟ هل تسبب في ذلك الوقت الذي ذهبت فيه لمشاهدة فيلم مع الأصدقاء بدلاً من الدراسة أكثر، والامتحان الذي كان عليّ إعادة القيام به، هل كل هذا أدى لعدم إنقاذك؟.
وقالت الطبيبة متأثرة: كان من المفترض أن أكون قادرة على إخبار والدتك أنها ستفرح لتخرجك، وستجفف دموعك بعد أول حزن، وسترقص في حفل زفافك، ربما كانت والدتك تتمنى لو كان هناك طبيب أكثر ذكاءً مني في تلك الليلة.
وأضافت: لقد انتهى الوقت، يجب أن أتوقف عن كسر ضلوعك بضغطاتي على صدري، وأمسح الدم عن رقبتك الأرجوانية، وألفّك بإحكام في قطعة القماش الناعمة التي تفوح منها رائحة العقم، وأمسح اليود من المكان الذي وضعت فيه الممرضات المحاليل الوريدية المحمومة، وأغطي أي تشوهات بقدر ما أستطيع حتى لا تضطر والدتك إلى تذكرك بهذه الطريقة لبقية حياتها.
وأردفت: أن هذه اللمسات البسيطة هي الفعل الصغير الوحيد اللطيف الذي يمكنني تقديمه لها الآن، حيث أمشط جبهتك بأصابعي، وأزيل عنك شرائط المستشفى القاسية، وأحاول مرارا وتكرارا أن أغمض عينيك، متابعة: لقد صنع الطب الحديث آلات تسمح لي بالتحكم في عدد الثواني التي يتنفس فيها المريض ويخرج نفسه، وتسمح لي بقياس البول بالملليلتر لكل كيلوجرام في الساعة، ولكن لا يزال أحد لم يكتشف طريقة لإغلاق العينين في اللحظة التي يرى فيها الآباء أطفالهم للمرة الأخيرة.
وتابعت الطبيبة الأمريكية: تنتهي البرامج التلفزيونية بأطفال في نوم أبدي وأطباء يخرجون من أبواب غرف الطوارئ، مستائين من أنفسهم، لكن في الحياة الواقعية، عندما تتحمل الأجساد قسوة الحرب، نبقى ونقوم بتنظيف الجثث بعد الوفاة، نتحدث إلى الآباء ونحتضنهم عندما تنحني أرجلهم من تحتهم.
وأردفت: أخيرا استطاعت والدتك البكاء في هذه الليلة، تحت إضاءة المستشفى الخافتة، لتدفن وجهها في قماش المستشفى، متعطشة لرائحة شعر طفلها.
وقالت الطبيبة: وقت الوفاة 3:48 صباحًا، أوقفوا الساعات، أسكتوا أجهزة النداء، أسكتوا آلات التنبيه من حولنا، أمروا سيارات الإسعاف بأن تظل صامتة، أهدئوا الأطفال الذين ينتحبون وهم يهرعون، أوقفوا الطائرات بدون طيار التي تقصم رؤوسنا، أسكتوا القصف القريب، اسمحوا لي بالجلوس ولو للحظة واحدة قبل أن أسرع إلى الحزن التالي.
وأضافت الطبيبة: وقت وفاتك كنت أهز رأسي المنحني وأغرق في خجلي، بسبب خطأي، موتك هو أيضًا موت كبريائي، ووفاة الاعتقاد الزائف الذي نتمسك به نحن الأطباء بأننا قادرون على إنقاذ الناس.
وتابعت: لقد انهارت والدتك بين ذراعي، ولا أستطيع تحمل هذا الثقل، أخبرتها أنه لا يوجد شيء آخر يمكن فعله، لينهار عالمها بيننا أعانقها بقوة شديدة، كما لو كنت لأحتضن ابنتي.
وقالت الطبيبة الأمريكية: لقد رأيت وجهك من قبل، رأيته في رحلات الإجلاء الطبي عندما حاولت إطالة عمرك حتى اللحظة التي ستلتقي فيها بوالدتك، رأيته في المياه قبالة سواحل ليبيا، على متن قارب إنقاذ اللاجئين، ترتجف من انخفاض حرارة الجسم، دون وجود أحد الوالدين هناك لتهدئتك.
وأضافت: رأيت وجهك في غرف العمليات في العراق، عندما كانت إحدى الأمهات تقص أظافر قدميك استعدادًا لجراحة القلب، وقالت لي: 'في حالة وفاته على طاولة العمليات، سيكون على الأقل قد عرف كيف يكون الشعور بالجمال'.
وتابعت الطبيبة مخاطبة الطفل: في عينيك أرى كل شيء مكشوفا، خطايا ارتكبت باسم الحروب التي نتظاهر بالجهل بها، أو نبررها، أو نعيد كتابتها، صورتك في ذهني توثق الألم الذي لا يمكن أن يخلقه إلا وحشية الاستعمار.
وبعدها نشرت الجارديان بعضا من تفاعل القراء البريطانيين مع مقال الكاتبة، حيث قال ويكو فان موريك من جاينفورد بمقاطعة دورهام البريطانية: هل هناك وصف أكثر إثارة لليأس الناجم عن الموت والدمار في منطقة حرب من وصف الطبيبة سيما جيلاني في مقالها: 'إلى الطفل المجهول: حاولت إنقاذ حياتك الصغيرة في مستشفى غزة، والآن يطاردني وجهك'.
وأضاف: أنها تحمل نفسها مشاعر اللوم والذنب وعدم الكفاءة، في قولها: 'عندما طفت روحك بجانبي، هل كان الشيطان هناك أيضًا، يروي خطاياي؟'.
وتابع القارئ: أعتقد أن الخطايا تقع على عاتق إسرائيل وحماس والمصالح المكتسبة لدول أخرى وكل من يفكر في العنف كخيار.
فيما قالت جلينيث ماكنزي من أشجروف بكوينزلاند الأسترالية: 'شكرًا لك الطبيبة سيما جيلاني على حضورك حيث لا أستطيع أن أكون، شكرًا لك على احتضان كل طفل ثمين عندما لا أستطيع. أنت وزملاؤك معجزات'.
في يناير الماضي، أُعلن عن الاتفاق الذي وُصف بأنه 'الأصعب' للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من 15 شهرا بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، وعشرات الجلسات بين القاهرة والدوحة لمحاولة عديدة لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكلل بالنجاح إلا مؤخرا.
وتزامنا مع ذلك، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا مؤثرا لطبيبة أطفال أمريكية، تدعى سيما جيلاني، تكشف خلاله معاناتها لإنقاذ الأطفال في قطاع غزة التي باءت بالفشل، لقى ردود فعل واسعة بالمجتمع الدولي.
وسيما جيلاني، الطبيبة المتخصصة في طب الأطفال، عملت في أفغانستان وإسرائيل وغزة والضفة الغربية والسودان ولبنان ومصر والبلقان، وتم ترشيح فيلمها الوثائقي الإذاعي، إسرائيل وفلسطين: التكلفة البشرية للاحتلال، لجائزة بيبودي الأمريكية الشهيرة.
وروت الطبيبة، في مقالها: 'إلى الطفل المجهول: حاولت إنقاذ حياتك الصغيرة في مستشفى غزة، والآن يطاردني وجهك'، قصتها مع طفل صغير من أطفال قطاع غزة، حاولت إنقاذه محاولات جميعها باءت بالفشل، لتروي معاناة آلاف الأطفال الفلسطينيين مع الموت.
وقالت الطبيبة الأمريكية مخاطبة الطفل: عندما دخلت إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الأقصى في غزة خلال ساعات الصباح الباكر، بخدودك الممتلئة الحمراء بسبب برودة الليل، ورموشك الثقيلة بسبب الدموع التي تقطر من عينيك، حاولت أن أنقذك وأقوم بعملي.
وتابعت: رأيتك وشظايا الزجاج الناجمة عن انفجار ناجم عن غارة جوية إسرائيلية تمزق ذراعيك وساقيك الصغيرتين، بدأت أنظف الجروح وأخيطك دون حتى ذرة من مسكنات الألم، لقد كان عذابا لكلا منا، انتهى بأن أكتب لك ملاحظة بالمتابعة بعد خمسة أيام 'لإزالة الغرز بعد الإصابة نتيجة الانفجار'.
وأضافت الطبيبة محدثة الطفل: تمر الأيام، تعود إلى غرفة الطوارئ، هذه المرة بلا حراك، وبلون أزرق، بعدما تركت غارة جوية إسرائيلية أخرى في دير البلح شظايا عالقة في دماغك، مما تسبب في تناثر الدم على جمجمتك، وشعرك البني الكثيف متشابك مع الدم المتجمد، ما جعل من الصعب فحص فروة رأسك، لتتحسس أصابعي النبض، أولاً فخذك الداخلي، ثم رقبتك، لكن اللحم محترق للغاية بحيث لا يمكن تحديده.
وتابعت الطبيبة: بدأت تتحسس قفازاتي الزرقاء فمك المفتوح المترهل، أدخل أنبوب التنفس، تمامًا كما تم تدريبي، وأوجه بتصوير الصدر بالأشعة السينية، التي كشفت عن ثاني أكسيد الكربون مع تغير لون جسدك الأزرق إلى الأصفر، الأصفر يعني 'نعم، لقد أدخلت الأنبوب بشكل صحيح في القصبة الهوائية، وليس المريء'.
وأضافت: بدأت أجري عملية الإنعاش وفقًا للقواعد تمامًا، أشاهدك تتأرجح بين عالم الأحياء وعالم الملائكة، بينما لا يزال النبض مفقودًا، أطلب من زميلي أن يحاول في حالة أن ارتعاشي هو السبب.
وأردفت الطبيبة الأمريكية متأثرة: عندما صعدت روحك بجانبي، هل كان الشيطان هناك أيضًا، يرى خطاياي؟، سرعان ما عادت بي ذاكرتي: هل هذا نتيجة تقصير في دراستي؟ هل تسبب في ذلك الوقت الذي ذهبت فيه لمشاهدة فيلم مع الأصدقاء بدلاً من الدراسة أكثر، والامتحان الذي كان عليّ إعادة القيام به، هل كل هذا أدى لعدم إنقاذك؟.
وقالت الطبيبة متأثرة: كان من المفترض أن أكون قادرة على إخبار والدتك أنها ستفرح لتخرجك، وستجفف دموعك بعد أول حزن، وسترقص في حفل زفافك، ربما كانت والدتك تتمنى لو كان هناك طبيب أكثر ذكاءً مني في تلك الليلة.
وأضافت: لقد انتهى الوقت، يجب أن أتوقف عن كسر ضلوعك بضغطاتي على صدري، وأمسح الدم عن رقبتك الأرجوانية، وألفّك بإحكام في قطعة القماش الناعمة التي تفوح منها رائحة العقم، وأمسح اليود من المكان الذي وضعت فيه الممرضات المحاليل الوريدية المحمومة، وأغطي أي تشوهات بقدر ما أستطيع حتى لا تضطر والدتك إلى تذكرك بهذه الطريقة لبقية حياتها.
وأردفت: أن هذه اللمسات البسيطة هي الفعل الصغير الوحيد اللطيف الذي يمكنني تقديمه لها الآن، حيث أمشط جبهتك بأصابعي، وأزيل عنك شرائط المستشفى القاسية، وأحاول مرارا وتكرارا أن أغمض عينيك، متابعة: لقد صنع الطب الحديث آلات تسمح لي بالتحكم في عدد الثواني التي يتنفس فيها المريض ويخرج نفسه، وتسمح لي بقياس البول بالملليلتر لكل كيلوجرام في الساعة، ولكن لا يزال أحد لم يكتشف طريقة لإغلاق العينين في اللحظة التي يرى فيها الآباء أطفالهم للمرة الأخيرة.
وتابعت الطبيبة الأمريكية: تنتهي البرامج التلفزيونية بأطفال في نوم أبدي وأطباء يخرجون من أبواب غرف الطوارئ، مستائين من أنفسهم، لكن في الحياة الواقعية، عندما تتحمل الأجساد قسوة الحرب، نبقى ونقوم بتنظيف الجثث بعد الوفاة، نتحدث إلى الآباء ونحتضنهم عندما تنحني أرجلهم من تحتهم.
وأردفت: أخيرا استطاعت والدتك البكاء في هذه الليلة، تحت إضاءة المستشفى الخافتة، لتدفن وجهها في قماش المستشفى، متعطشة لرائحة شعر طفلها.
وقالت الطبيبة: وقت الوفاة 3:48 صباحًا، أوقفوا الساعات، أسكتوا أجهزة النداء، أسكتوا آلات التنبيه من حولنا، أمروا سيارات الإسعاف بأن تظل صامتة، أهدئوا الأطفال الذين ينتحبون وهم يهرعون، أوقفوا الطائرات بدون طيار التي تقصم رؤوسنا، أسكتوا القصف القريب، اسمحوا لي بالجلوس ولو للحظة واحدة قبل أن أسرع إلى الحزن التالي.
وأضافت الطبيبة: وقت وفاتك كنت أهز رأسي المنحني وأغرق في خجلي، بسبب خطأي، موتك هو أيضًا موت كبريائي، ووفاة الاعتقاد الزائف الذي نتمسك به نحن الأطباء بأننا قادرون على إنقاذ الناس.
وتابعت: لقد انهارت والدتك بين ذراعي، ولا أستطيع تحمل هذا الثقل، أخبرتها أنه لا يوجد شيء آخر يمكن فعله، لينهار عالمها بيننا أعانقها بقوة شديدة، كما لو كنت لأحتضن ابنتي.
وقالت الطبيبة الأمريكية: لقد رأيت وجهك من قبل، رأيته في رحلات الإجلاء الطبي عندما حاولت إطالة عمرك حتى اللحظة التي ستلتقي فيها بوالدتك، رأيته في المياه قبالة سواحل ليبيا، على متن قارب إنقاذ اللاجئين، ترتجف من انخفاض حرارة الجسم، دون وجود أحد الوالدين هناك لتهدئتك.
وأضافت: رأيت وجهك في غرف العمليات في العراق، عندما كانت إحدى الأمهات تقص أظافر قدميك استعدادًا لجراحة القلب، وقالت لي: 'في حالة وفاته على طاولة العمليات، سيكون على الأقل قد عرف كيف يكون الشعور بالجمال'.
وتابعت الطبيبة مخاطبة الطفل: في عينيك أرى كل شيء مكشوفا، خطايا ارتكبت باسم الحروب التي نتظاهر بالجهل بها، أو نبررها، أو نعيد كتابتها، صورتك في ذهني توثق الألم الذي لا يمكن أن يخلقه إلا وحشية الاستعمار.
وبعدها نشرت الجارديان بعضا من تفاعل القراء البريطانيين مع مقال الكاتبة، حيث قال ويكو فان موريك من جاينفورد بمقاطعة دورهام البريطانية: هل هناك وصف أكثر إثارة لليأس الناجم عن الموت والدمار في منطقة حرب من وصف الطبيبة سيما جيلاني في مقالها: 'إلى الطفل المجهول: حاولت إنقاذ حياتك الصغيرة في مستشفى غزة، والآن يطاردني وجهك'.
وأضاف: أنها تحمل نفسها مشاعر اللوم والذنب وعدم الكفاءة، في قولها: 'عندما طفت روحك بجانبي، هل كان الشيطان هناك أيضًا، يروي خطاياي؟'.
وتابع القارئ: أعتقد أن الخطايا تقع على عاتق إسرائيل وحماس والمصالح المكتسبة لدول أخرى وكل من يفكر في العنف كخيار.
فيما قالت جلينيث ماكنزي من أشجروف بكوينزلاند الأسترالية: 'شكرًا لك الطبيبة سيما جيلاني على حضورك حيث لا أستطيع أن أكون، شكرًا لك على احتضان كل طفل ثمين عندما لا أستطيع. أنت وزملاؤك معجزات'.
في يناير الماضي، أُعلن عن الاتفاق الذي وُصف بأنه 'الأصعب' للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من 15 شهرا بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، وعشرات الجلسات بين القاهرة والدوحة لمحاولة عديدة لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكلل بالنجاح إلا مؤخرا.
وتزامنا مع ذلك، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا مؤثرا لطبيبة أطفال أمريكية، تدعى سيما جيلاني، تكشف خلاله معاناتها لإنقاذ الأطفال في قطاع غزة التي باءت بالفشل، لقى ردود فعل واسعة بالمجتمع الدولي.
وسيما جيلاني، الطبيبة المتخصصة في طب الأطفال، عملت في أفغانستان وإسرائيل وغزة والضفة الغربية والسودان ولبنان ومصر والبلقان، وتم ترشيح فيلمها الوثائقي الإذاعي، إسرائيل وفلسطين: التكلفة البشرية للاحتلال، لجائزة بيبودي الأمريكية الشهيرة.
وروت الطبيبة، في مقالها: 'إلى الطفل المجهول: حاولت إنقاذ حياتك الصغيرة في مستشفى غزة، والآن يطاردني وجهك'، قصتها مع طفل صغير من أطفال قطاع غزة، حاولت إنقاذه محاولات جميعها باءت بالفشل، لتروي معاناة آلاف الأطفال الفلسطينيين مع الموت.
وقالت الطبيبة الأمريكية مخاطبة الطفل: عندما دخلت إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الأقصى في غزة خلال ساعات الصباح الباكر، بخدودك الممتلئة الحمراء بسبب برودة الليل، ورموشك الثقيلة بسبب الدموع التي تقطر من عينيك، حاولت أن أنقذك وأقوم بعملي.
وتابعت: رأيتك وشظايا الزجاج الناجمة عن انفجار ناجم عن غارة جوية إسرائيلية تمزق ذراعيك وساقيك الصغيرتين، بدأت أنظف الجروح وأخيطك دون حتى ذرة من مسكنات الألم، لقد كان عذابا لكلا منا، انتهى بأن أكتب لك ملاحظة بالمتابعة بعد خمسة أيام 'لإزالة الغرز بعد الإصابة نتيجة الانفجار'.
وأضافت الطبيبة محدثة الطفل: تمر الأيام، تعود إلى غرفة الطوارئ، هذه المرة بلا حراك، وبلون أزرق، بعدما تركت غارة جوية إسرائيلية أخرى في دير البلح شظايا عالقة في دماغك، مما تسبب في تناثر الدم على جمجمتك، وشعرك البني الكثيف متشابك مع الدم المتجمد، ما جعل من الصعب فحص فروة رأسك، لتتحسس أصابعي النبض، أولاً فخذك الداخلي، ثم رقبتك، لكن اللحم محترق للغاية بحيث لا يمكن تحديده.
وتابعت الطبيبة: بدأت تتحسس قفازاتي الزرقاء فمك المفتوح المترهل، أدخل أنبوب التنفس، تمامًا كما تم تدريبي، وأوجه بتصوير الصدر بالأشعة السينية، التي كشفت عن ثاني أكسيد الكربون مع تغير لون جسدك الأزرق إلى الأصفر، الأصفر يعني 'نعم، لقد أدخلت الأنبوب بشكل صحيح في القصبة الهوائية، وليس المريء'.
وأضافت: بدأت أجري عملية الإنعاش وفقًا للقواعد تمامًا، أشاهدك تتأرجح بين عالم الأحياء وعالم الملائكة، بينما لا يزال النبض مفقودًا، أطلب من زميلي أن يحاول في حالة أن ارتعاشي هو السبب.
وأردفت الطبيبة الأمريكية متأثرة: عندما صعدت روحك بجانبي، هل كان الشيطان هناك أيضًا، يرى خطاياي؟، سرعان ما عادت بي ذاكرتي: هل هذا نتيجة تقصير في دراستي؟ هل تسبب في ذلك الوقت الذي ذهبت فيه لمشاهدة فيلم مع الأصدقاء بدلاً من الدراسة أكثر، والامتحان الذي كان عليّ إعادة القيام به، هل كل هذا أدى لعدم إنقاذك؟.
وقالت الطبيبة متأثرة: كان من المفترض أن أكون قادرة على إخبار والدتك أنها ستفرح لتخرجك، وستجفف دموعك بعد أول حزن، وسترقص في حفل زفافك، ربما كانت والدتك تتمنى لو كان هناك طبيب أكثر ذكاءً مني في تلك الليلة.
وأضافت: لقد انتهى الوقت، يجب أن أتوقف عن كسر ضلوعك بضغطاتي على صدري، وأمسح الدم عن رقبتك الأرجوانية، وألفّك بإحكام في قطعة القماش الناعمة التي تفوح منها رائحة العقم، وأمسح اليود من المكان الذي وضعت فيه الممرضات المحاليل الوريدية المحمومة، وأغطي أي تشوهات بقدر ما أستطيع حتى لا تضطر والدتك إلى تذكرك بهذه الطريقة لبقية حياتها.
وأردفت: أن هذه اللمسات البسيطة هي الفعل الصغير الوحيد اللطيف الذي يمكنني تقديمه لها الآن، حيث أمشط جبهتك بأصابعي، وأزيل عنك شرائط المستشفى القاسية، وأحاول مرارا وتكرارا أن أغمض عينيك، متابعة: لقد صنع الطب الحديث آلات تسمح لي بالتحكم في عدد الثواني التي يتنفس فيها المريض ويخرج نفسه، وتسمح لي بقياس البول بالملليلتر لكل كيلوجرام في الساعة، ولكن لا يزال أحد لم يكتشف طريقة لإغلاق العينين في اللحظة التي يرى فيها الآباء أطفالهم للمرة الأخيرة.
وتابعت الطبيبة الأمريكية: تنتهي البرامج التلفزيونية بأطفال في نوم أبدي وأطباء يخرجون من أبواب غرف الطوارئ، مستائين من أنفسهم، لكن في الحياة الواقعية، عندما تتحمل الأجساد قسوة الحرب، نبقى ونقوم بتنظيف الجثث بعد الوفاة، نتحدث إلى الآباء ونحتضنهم عندما تنحني أرجلهم من تحتهم.
وأردفت: أخيرا استطاعت والدتك البكاء في هذه الليلة، تحت إضاءة المستشفى الخافتة، لتدفن وجهها في قماش المستشفى، متعطشة لرائحة شعر طفلها.
وقالت الطبيبة: وقت الوفاة 3:48 صباحًا، أوقفوا الساعات، أسكتوا أجهزة النداء، أسكتوا آلات التنبيه من حولنا، أمروا سيارات الإسعاف بأن تظل صامتة، أهدئوا الأطفال الذين ينتحبون وهم يهرعون، أوقفوا الطائرات بدون طيار التي تقصم رؤوسنا، أسكتوا القصف القريب، اسمحوا لي بالجلوس ولو للحظة واحدة قبل أن أسرع إلى الحزن التالي.
وأضافت الطبيبة: وقت وفاتك كنت أهز رأسي المنحني وأغرق في خجلي، بسبب خطأي، موتك هو أيضًا موت كبريائي، ووفاة الاعتقاد الزائف الذي نتمسك به نحن الأطباء بأننا قادرون على إنقاذ الناس.
وتابعت: لقد انهارت والدتك بين ذراعي، ولا أستطيع تحمل هذا الثقل، أخبرتها أنه لا يوجد شيء آخر يمكن فعله، لينهار عالمها بيننا أعانقها بقوة شديدة، كما لو كنت لأحتضن ابنتي.
وقالت الطبيبة الأمريكية: لقد رأيت وجهك من قبل، رأيته في رحلات الإجلاء الطبي عندما حاولت إطالة عمرك حتى اللحظة التي ستلتقي فيها بوالدتك، رأيته في المياه قبالة سواحل ليبيا، على متن قارب إنقاذ اللاجئين، ترتجف من انخفاض حرارة الجسم، دون وجود أحد الوالدين هناك لتهدئتك.
وأضافت: رأيت وجهك في غرف العمليات في العراق، عندما كانت إحدى الأمهات تقص أظافر قدميك استعدادًا لجراحة القلب، وقالت لي: 'في حالة وفاته على طاولة العمليات، سيكون على الأقل قد عرف كيف يكون الشعور بالجمال'.
وتابعت الطبيبة مخاطبة الطفل: في عينيك أرى كل شيء مكشوفا، خطايا ارتكبت باسم الحروب التي نتظاهر بالجهل بها، أو نبررها، أو نعيد كتابتها، صورتك في ذهني توثق الألم الذي لا يمكن أن يخلقه إلا وحشية الاستعمار.
وبعدها نشرت الجارديان بعضا من تفاعل القراء البريطانيين مع مقال الكاتبة، حيث قال ويكو فان موريك من جاينفورد بمقاطعة دورهام البريطانية: هل هناك وصف أكثر إثارة لليأس الناجم عن الموت والدمار في منطقة حرب من وصف الطبيبة سيما جيلاني في مقالها: 'إلى الطفل المجهول: حاولت إنقاذ حياتك الصغيرة في مستشفى غزة، والآن يطاردني وجهك'.
وأضاف: أنها تحمل نفسها مشاعر اللوم والذنب وعدم الكفاءة، في قولها: 'عندما طفت روحك بجانبي، هل كان الشيطان هناك أيضًا، يروي خطاياي؟'.
وتابع القارئ: أعتقد أن الخطايا تقع على عاتق إسرائيل وحماس والمصالح المكتسبة لدول أخرى وكل من يفكر في العنف كخيار.
فيما قالت جلينيث ماكنزي من أشجروف بكوينزلاند الأسترالية: 'شكرًا لك الطبيبة سيما جيلاني على حضورك حيث لا أستطيع أن أكون، شكرًا لك على احتضان كل طفل ثمين عندما لا أستطيع. أنت وزملاؤك معجزات'.
التعليقات
لم أستطع إنقاذك .. طبيبة أمريكية تروي معاناة أطفال غزة
التعليقات