أثبت الأردن مرةً أخرى أنه دولة راسخة الأمن، ذات بنية مؤسسية لا تهتز أمام التهديدات مهما كانت معقدة أو متشابكة. ففي توقيت بالغ الحساسية، أعلنت دائرة المخابرات العامة عن إحباط مخطط تخريبي واسع النطاق، كان يستهدف استقرار المملكة وجرّها إلى دوامة من الفوضى من خلال عمليات نوعية شملت تصنيع صواريخ قصيرة المدى، إعداد طائرات مسيّرة، وتخزين مواد متفجرة شديدة الخطورة في مستودعات سرية داخل العاصمة عمان والزرقاء.
المثير في هذه القضية، ليس فقط في حجم المعدات التي تم ضبطها أو عدد المتهمين، بل في النمط الذي عكسته تلك التحضيرات: عمل مؤسسي منظم، مدعوم من الخارج، ينطوي على أبعاد عسكرية واستخباراتية متقدمة، في سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها من حيث التركيب والتخطيط داخل الأردن. ما جرى لا يمكن اختزاله في خلية إرهابية عادية، بل هو نموذج أولي لحرب غير تقليدية، تسعى لإحداث صدمة أمنية واجتماعية واقتصادية متزامنة.
في هذا السياق، لا بد من التوقف أمام الأداء الاستثنائي الذي قدمته الأجهزة الأمنية، والتي تابعت المتهمين منذ عام 2021 بصبر ميداني وتخطيط استراتيجي طويل النفس، مكّناها من إحباط العملية في لحظة حاسمة قبل أن تتحول إلى واقع دموي. إن نجاح العملية لا يعكس فقط قدرة تكتيكية، بل يثبت أن الأردن قد بنى على مدى عقود منظومة أمن وطني رادعة، قادرة على رصد التهديدات المعقدة ومعالجتها بطرق احترافية تحفظ الأمن دون أن تُربك الحياة العامة أو تنزلق إلى ردود فعل عشوائية.
الخطورة في هذا المخطط لا تقف عند حدود الأدوات التي تم ضبطها، بل في ارتباطه بتنظيمات محظورة وبدول يُشتبه في دعمها لهذه الشبكات، ما يؤشر إلى تزايد التداخل بين المحلي والإقليمي، وتحوّل الأردن إلى ساحة محتملة لصراعات الوكالة. كما أن نوعية الوسائل المستخدمة، كالصواريخ والطائرات المسيّرة، تشير إلى تصعيد في نمط التهديدات التقليدية، وانتقالها إلى مرحلة جديدة تعتمد على أدوات عسكرية ذات طابع هجومي، ما يفرض على الدولة إعادة النظر في طبيعة التهديدات التي تواجهها.
من زاوية التحليل الاستراتيجي، فإن إحباط هذا المخطط يعزز صورة الأردن كدولة قوية، تمتلك أدوات ردع ذات طابع استخباراتي وتقني متقدم. كما أنه يعكس وجود تناغم فعّال بين المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وهو ما ظهر جلياً في سرعة التنسيق الداخلي، وتماسك الرواية الرسمية، والتعامل المدروس مع الرأي العام المحلي والدولي. الرد العربي السريع، خصوصاً من السعودية و سلطنة عمان والإمارات ومصر ولبنان، شكّل مظلة دعم إضافية أكدت مكانة الأردن في الخارطة الجيوسياسية كخط دفاع أول عن الأمن الإقليمي.
المواطن الأردني، بدوره، أظهر وعياً لافتاً، واستقبل هذه الأخبار بالتفاف كبير حول الدولة، وبتقدير عميق لما تبذله الأجهزة الأمنية في السرّ والعلن من جهود تحصّن البلاد من الداخل. هذا الوعي المجتمعي هو أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة، التي إن استُثمرت بشكل متكامل مع القوة الصلبة، تُشكل درعًا متينًا ضد أي اختراقات مستقبلية.
لكن رغم هذا النجاح الأمني، فإن المرحلة المقبلة تتطلب يقظة أعلى، وتدابير أشمل، تبدأ بمراجعة الإطار القانوني المنظّم للجماعات السياسية والدينية، مروراً بتعزيز قدرات الاستخبارات السيبرانية، وانتهاءً بتوسيع مظلة التعاون الإقليمي والدولي في ميدان مكافحة الإرهاب ومواجهة حروب الجيل الرابع، التي تدمج بين الحرب النفسية والاختراق التقني والعمل العسكري المحدود.
إحباط هذا المخطط يجب أن لا يُقرأ فقط كإنجاز، بل كمؤشر لما هو قادم، نحن أمام تهديدات تتطور بسرعة، تتخفى تحت غطاء السياسة أو الدين أو العمل المدني، وتستغل أي فراغ قانوني أو اجتماعي. الرد على ذلك لا يكون فقط بالملاحقة الأمنية، بل بمنظومة وطنية شاملة تُدمج فيها المدارس، الإعلام، المساجد، الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، ضمن مشروع وطني واحد: حماية الأردن من الداخل، كما تُحمى الحدود من الخارج.
ما جرى هو درس استراتيجي بامتياز، يؤكد أن الأردن ليس سهل الاستهداف، ولا هشاً كما يظن خصومه. بل هو دولة تمتلك بنية متماسكة، وتاريخاً من الصمود، وأجهزة لا تنام، وشعباً يعرف تماماً أين يقف حين تهب العواصف، ومن يراهن على تفكيك الأردن، يكتشف مرة تلو الأخرى أنه يواجه دولة عصيّة، لا تسقط بسهولة، ولا تُستفز بصمت، بل ترد بحسم وحكمة. هذا هو الأردن، وهذا هو درعه الذي لا يصدأ.
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
أثبت الأردن مرةً أخرى أنه دولة راسخة الأمن، ذات بنية مؤسسية لا تهتز أمام التهديدات مهما كانت معقدة أو متشابكة. ففي توقيت بالغ الحساسية، أعلنت دائرة المخابرات العامة عن إحباط مخطط تخريبي واسع النطاق، كان يستهدف استقرار المملكة وجرّها إلى دوامة من الفوضى من خلال عمليات نوعية شملت تصنيع صواريخ قصيرة المدى، إعداد طائرات مسيّرة، وتخزين مواد متفجرة شديدة الخطورة في مستودعات سرية داخل العاصمة عمان والزرقاء.
المثير في هذه القضية، ليس فقط في حجم المعدات التي تم ضبطها أو عدد المتهمين، بل في النمط الذي عكسته تلك التحضيرات: عمل مؤسسي منظم، مدعوم من الخارج، ينطوي على أبعاد عسكرية واستخباراتية متقدمة، في سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها من حيث التركيب والتخطيط داخل الأردن. ما جرى لا يمكن اختزاله في خلية إرهابية عادية، بل هو نموذج أولي لحرب غير تقليدية، تسعى لإحداث صدمة أمنية واجتماعية واقتصادية متزامنة.
في هذا السياق، لا بد من التوقف أمام الأداء الاستثنائي الذي قدمته الأجهزة الأمنية، والتي تابعت المتهمين منذ عام 2021 بصبر ميداني وتخطيط استراتيجي طويل النفس، مكّناها من إحباط العملية في لحظة حاسمة قبل أن تتحول إلى واقع دموي. إن نجاح العملية لا يعكس فقط قدرة تكتيكية، بل يثبت أن الأردن قد بنى على مدى عقود منظومة أمن وطني رادعة، قادرة على رصد التهديدات المعقدة ومعالجتها بطرق احترافية تحفظ الأمن دون أن تُربك الحياة العامة أو تنزلق إلى ردود فعل عشوائية.
الخطورة في هذا المخطط لا تقف عند حدود الأدوات التي تم ضبطها، بل في ارتباطه بتنظيمات محظورة وبدول يُشتبه في دعمها لهذه الشبكات، ما يؤشر إلى تزايد التداخل بين المحلي والإقليمي، وتحوّل الأردن إلى ساحة محتملة لصراعات الوكالة. كما أن نوعية الوسائل المستخدمة، كالصواريخ والطائرات المسيّرة، تشير إلى تصعيد في نمط التهديدات التقليدية، وانتقالها إلى مرحلة جديدة تعتمد على أدوات عسكرية ذات طابع هجومي، ما يفرض على الدولة إعادة النظر في طبيعة التهديدات التي تواجهها.
من زاوية التحليل الاستراتيجي، فإن إحباط هذا المخطط يعزز صورة الأردن كدولة قوية، تمتلك أدوات ردع ذات طابع استخباراتي وتقني متقدم. كما أنه يعكس وجود تناغم فعّال بين المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وهو ما ظهر جلياً في سرعة التنسيق الداخلي، وتماسك الرواية الرسمية، والتعامل المدروس مع الرأي العام المحلي والدولي. الرد العربي السريع، خصوصاً من السعودية و سلطنة عمان والإمارات ومصر ولبنان، شكّل مظلة دعم إضافية أكدت مكانة الأردن في الخارطة الجيوسياسية كخط دفاع أول عن الأمن الإقليمي.
المواطن الأردني، بدوره، أظهر وعياً لافتاً، واستقبل هذه الأخبار بالتفاف كبير حول الدولة، وبتقدير عميق لما تبذله الأجهزة الأمنية في السرّ والعلن من جهود تحصّن البلاد من الداخل. هذا الوعي المجتمعي هو أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة، التي إن استُثمرت بشكل متكامل مع القوة الصلبة، تُشكل درعًا متينًا ضد أي اختراقات مستقبلية.
لكن رغم هذا النجاح الأمني، فإن المرحلة المقبلة تتطلب يقظة أعلى، وتدابير أشمل، تبدأ بمراجعة الإطار القانوني المنظّم للجماعات السياسية والدينية، مروراً بتعزيز قدرات الاستخبارات السيبرانية، وانتهاءً بتوسيع مظلة التعاون الإقليمي والدولي في ميدان مكافحة الإرهاب ومواجهة حروب الجيل الرابع، التي تدمج بين الحرب النفسية والاختراق التقني والعمل العسكري المحدود.
إحباط هذا المخطط يجب أن لا يُقرأ فقط كإنجاز، بل كمؤشر لما هو قادم، نحن أمام تهديدات تتطور بسرعة، تتخفى تحت غطاء السياسة أو الدين أو العمل المدني، وتستغل أي فراغ قانوني أو اجتماعي. الرد على ذلك لا يكون فقط بالملاحقة الأمنية، بل بمنظومة وطنية شاملة تُدمج فيها المدارس، الإعلام، المساجد، الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، ضمن مشروع وطني واحد: حماية الأردن من الداخل، كما تُحمى الحدود من الخارج.
ما جرى هو درس استراتيجي بامتياز، يؤكد أن الأردن ليس سهل الاستهداف، ولا هشاً كما يظن خصومه. بل هو دولة تمتلك بنية متماسكة، وتاريخاً من الصمود، وأجهزة لا تنام، وشعباً يعرف تماماً أين يقف حين تهب العواصف، ومن يراهن على تفكيك الأردن، يكتشف مرة تلو الأخرى أنه يواجه دولة عصيّة، لا تسقط بسهولة، ولا تُستفز بصمت، بل ترد بحسم وحكمة. هذا هو الأردن، وهذا هو درعه الذي لا يصدأ.
الدكتور ليث عبدالله القهيوي
أثبت الأردن مرةً أخرى أنه دولة راسخة الأمن، ذات بنية مؤسسية لا تهتز أمام التهديدات مهما كانت معقدة أو متشابكة. ففي توقيت بالغ الحساسية، أعلنت دائرة المخابرات العامة عن إحباط مخطط تخريبي واسع النطاق، كان يستهدف استقرار المملكة وجرّها إلى دوامة من الفوضى من خلال عمليات نوعية شملت تصنيع صواريخ قصيرة المدى، إعداد طائرات مسيّرة، وتخزين مواد متفجرة شديدة الخطورة في مستودعات سرية داخل العاصمة عمان والزرقاء.
المثير في هذه القضية، ليس فقط في حجم المعدات التي تم ضبطها أو عدد المتهمين، بل في النمط الذي عكسته تلك التحضيرات: عمل مؤسسي منظم، مدعوم من الخارج، ينطوي على أبعاد عسكرية واستخباراتية متقدمة، في سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها من حيث التركيب والتخطيط داخل الأردن. ما جرى لا يمكن اختزاله في خلية إرهابية عادية، بل هو نموذج أولي لحرب غير تقليدية، تسعى لإحداث صدمة أمنية واجتماعية واقتصادية متزامنة.
في هذا السياق، لا بد من التوقف أمام الأداء الاستثنائي الذي قدمته الأجهزة الأمنية، والتي تابعت المتهمين منذ عام 2021 بصبر ميداني وتخطيط استراتيجي طويل النفس، مكّناها من إحباط العملية في لحظة حاسمة قبل أن تتحول إلى واقع دموي. إن نجاح العملية لا يعكس فقط قدرة تكتيكية، بل يثبت أن الأردن قد بنى على مدى عقود منظومة أمن وطني رادعة، قادرة على رصد التهديدات المعقدة ومعالجتها بطرق احترافية تحفظ الأمن دون أن تُربك الحياة العامة أو تنزلق إلى ردود فعل عشوائية.
الخطورة في هذا المخطط لا تقف عند حدود الأدوات التي تم ضبطها، بل في ارتباطه بتنظيمات محظورة وبدول يُشتبه في دعمها لهذه الشبكات، ما يؤشر إلى تزايد التداخل بين المحلي والإقليمي، وتحوّل الأردن إلى ساحة محتملة لصراعات الوكالة. كما أن نوعية الوسائل المستخدمة، كالصواريخ والطائرات المسيّرة، تشير إلى تصعيد في نمط التهديدات التقليدية، وانتقالها إلى مرحلة جديدة تعتمد على أدوات عسكرية ذات طابع هجومي، ما يفرض على الدولة إعادة النظر في طبيعة التهديدات التي تواجهها.
من زاوية التحليل الاستراتيجي، فإن إحباط هذا المخطط يعزز صورة الأردن كدولة قوية، تمتلك أدوات ردع ذات طابع استخباراتي وتقني متقدم. كما أنه يعكس وجود تناغم فعّال بين المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وهو ما ظهر جلياً في سرعة التنسيق الداخلي، وتماسك الرواية الرسمية، والتعامل المدروس مع الرأي العام المحلي والدولي. الرد العربي السريع، خصوصاً من السعودية و سلطنة عمان والإمارات ومصر ولبنان، شكّل مظلة دعم إضافية أكدت مكانة الأردن في الخارطة الجيوسياسية كخط دفاع أول عن الأمن الإقليمي.
المواطن الأردني، بدوره، أظهر وعياً لافتاً، واستقبل هذه الأخبار بالتفاف كبير حول الدولة، وبتقدير عميق لما تبذله الأجهزة الأمنية في السرّ والعلن من جهود تحصّن البلاد من الداخل. هذا الوعي المجتمعي هو أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة، التي إن استُثمرت بشكل متكامل مع القوة الصلبة، تُشكل درعًا متينًا ضد أي اختراقات مستقبلية.
لكن رغم هذا النجاح الأمني، فإن المرحلة المقبلة تتطلب يقظة أعلى، وتدابير أشمل، تبدأ بمراجعة الإطار القانوني المنظّم للجماعات السياسية والدينية، مروراً بتعزيز قدرات الاستخبارات السيبرانية، وانتهاءً بتوسيع مظلة التعاون الإقليمي والدولي في ميدان مكافحة الإرهاب ومواجهة حروب الجيل الرابع، التي تدمج بين الحرب النفسية والاختراق التقني والعمل العسكري المحدود.
إحباط هذا المخطط يجب أن لا يُقرأ فقط كإنجاز، بل كمؤشر لما هو قادم، نحن أمام تهديدات تتطور بسرعة، تتخفى تحت غطاء السياسة أو الدين أو العمل المدني، وتستغل أي فراغ قانوني أو اجتماعي. الرد على ذلك لا يكون فقط بالملاحقة الأمنية، بل بمنظومة وطنية شاملة تُدمج فيها المدارس، الإعلام، المساجد، الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، ضمن مشروع وطني واحد: حماية الأردن من الداخل، كما تُحمى الحدود من الخارج.
ما جرى هو درس استراتيجي بامتياز، يؤكد أن الأردن ليس سهل الاستهداف، ولا هشاً كما يظن خصومه. بل هو دولة تمتلك بنية متماسكة، وتاريخاً من الصمود، وأجهزة لا تنام، وشعباً يعرف تماماً أين يقف حين تهب العواصف، ومن يراهن على تفكيك الأردن، يكتشف مرة تلو الأخرى أنه يواجه دولة عصيّة، لا تسقط بسهولة، ولا تُستفز بصمت، بل ترد بحسم وحكمة. هذا هو الأردن، وهذا هو درعه الذي لا يصدأ.
التعليقات
إحباط المخطط التخريبي في الأردن: قراءة استراتيجية في التحديات والردع الأمني
التعليقات