في لحظة فارقة من عمر هذا الكوكب، يشهد العالم تحولات اقتصادية حادة تعكس في جوهرها صراعًا يتجاوز حدود المال والذهب والعملات، إلى صراع وجودي بين قوى تتنازع الهيمنة على القرار العالمي. فمن جهة، يرتفع سعر الذهب بجنون لافت، يتجاوز كونه مجرد أداة للادخار أو ملاذًا آمنًا، ليغدو مؤشرًا صريحًا على اهتزاز الثقة بالأنظمة النقدية التقليدية وعلى رأسها الدولار الأميركي. ومن جهة أخرى، يبدو العالم وكأنه يخطو بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة، لكنها ليست حربًا نووية أو عسكرية تقليدية، إنها حرب تجارية بامتياز، تحشد لها القوى الكبرى أدواتها المالية، وتحكم قبضتها عبر العقوبات والتكتلات وإعادة رسم خرائط النفوذ الاقتصادي. في صدارة هذا المشهد، تقف الولايات المتحدة الأميركية، تقودها عقلية متهورة يتزعمها الكاوبوي دونالد ترامب، الذي لا يؤمن بالثوابت ولا يخشى الصدام، يتعامل مع الاقتصاد كصفقة رابحة أو خاسرة لا أكثر. يشعل الحروب التجارية مع الصين وأوروبا، ويزعزع ثقة الأسواق العالمية بالدولار، عملة العالم الأولى، عبر قرارات عنيفة وسياسات انعزالية تزيد من مخاوف الركود والانكماش. وفي ظل هذه الفوضى الاقتصادية الدولية، يتوهج الذهب كأنه نجم في سماء حالكة. المستثمرون يهرعون نحوه باعتباره درعًا واقيًا من تقلبات السوق، بينما تنهار ثقة العالم بالورقة الخضراء شيئًا فشيئًا. كلما توغل الدولار في نزيفه، كلما ازداد بريق الذهب لمعانًا، وكأننا أمام تبادل صامت للأدوار بين زمنين، زمن الدولار الذي يتراجع، وزمن الذهب الذي يعود ليحكم قبضته لكن ماذا عن البلدان النامية؟ ما هو موقعها من هذه العاصفة المالية؟ وكيف يمكن أن تنجو من آثار هذا الزلزال؟ هنا تبدأ الأسئلة الصعبة، وتحديدًا عندما ننظر إلى الأردن، الدولة التي ترتبط عملتها الوطنية، الدينار الأردني، بالدولار الأميركي بسعر صرف ثابت منذ سنوات. الفرص في زمن التراجع الأميركي إذا ما شهد الدولار الأميركي انخفاضًا حادًا في قيمته، فقد تجد الدول المرتبطة به فرصًا محدودة لكنها ممكنة. من أبرز تلك الفرص، تحسين القدرة التنافسية للصادرات الأردنية، فضعف الدولار يعني ضعف الدينار المقابل، ما قد يجعل المنتجات الأردنية أكثر جاذبية في الأسواق الخارجية من حيث السعر. كذلك، قد تنخفض كلفة بعض السلع والخدمات القادمة من دول تعتمد عملات غير الدولار، مما يخلق مجالًا لتنوع الشركاء التجاريين وتخفيف الهيمنة الأميركية على مفاصل الاقتصاد الوطني.
الخطر أكبر من الفرصة غير أن هذه الفرص، وعلى محدوديتها، لا تخفي الوجه الآخر الأكثر خطورة. فالأردن يعتمد على الدولار في احتياطاته النقدية، وفي غالبية التبادلات التجارية، وفي تقييم ديونه الخارجية. أي انخفاض في قيمة الدولار يعني تآكلًا في قيمة هذه الاحتياطات، وارتفاعًا في كلفة الديون المقومة بعملات أخرى، وتذبذبًا في استقرار السوق المحلي، فضلًا عن الضغط المحتمل على السياسة النقدية للبنك المركزي الأردني. إضافة لذلك، فإن التحول في موازين القوى الاقتصادية العالمية سيؤثر على شكل المساعدات والتحالفات والتدفقات الاستثمارية، ما قد يجعل البلدان النامية، ومنها الأردن، تقف في منتصف العاصفة، لا تعرف إلى أي قطب تنحاز، ولا كيف تتفادى الانهيار دون خسارة علاقاتها التقليدية. العالم يعاد تشكيله من جديد ما يحدث ليس مجرد تقلب اقتصادي، إنها لحظة إعادة تشكيل العالم من جديد. أقطاب جديدة تنشأ، تكتلات اقتصادية تظهر وتتحالف، قوى صاعدة مثل الصين والهند تحاول أن تفرض واقعًا مغايرًا، والبشرية بأسرها تدخل في مرحلة مخاض عسير، قد تفضي إلى نظام اقتصادي عالمي مختلف كليًا عن ذاك الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. في هذه المرحلة، يصبح لزامًا على الدول النامية أن تعيد تقييم خياراتها، أن تخرج من عباءة التبعية العمياء، وأن تبدأ في بناء استراتيجيات تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الإنتاجية المحلية، وتحرير القرار الاقتصادي من قبضة الخارج. ختامًا.. الأردن بين المطرقة والسندان الأردن، بموارده المحدودة، وموقعه الجيوسياسي الحرج، ليس بمنأى عن كل هذا الجنون العالمي. لكنه في الوقت ذاته يملك أدوات للبقاء إن أحسن استخدامها. العقلانية، المرونة، التنويع، والقرارات الشجاعة ستكون السلاح الحقيقي في مواجهة العاصفة. أما انتظار ما ستؤول إليه الأمور دون خطة واضحة، فهو رهان خاسر في لعبة الكبار التي لا ترحم الضعفاء. هذا زمن الذهب، لا زمن الورق، زمن الاقتصاد المتحول لا الثابت. فهل نحن مستعدون؟ الكاتب - محمد متعب احمد الفريحات
بقلم - محمد متعب احمد الفريحات
في لحظة فارقة من عمر هذا الكوكب، يشهد العالم تحولات اقتصادية حادة تعكس في جوهرها صراعًا يتجاوز حدود المال والذهب والعملات، إلى صراع وجودي بين قوى تتنازع الهيمنة على القرار العالمي. فمن جهة، يرتفع سعر الذهب بجنون لافت، يتجاوز كونه مجرد أداة للادخار أو ملاذًا آمنًا، ليغدو مؤشرًا صريحًا على اهتزاز الثقة بالأنظمة النقدية التقليدية وعلى رأسها الدولار الأميركي. ومن جهة أخرى، يبدو العالم وكأنه يخطو بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة، لكنها ليست حربًا نووية أو عسكرية تقليدية، إنها حرب تجارية بامتياز، تحشد لها القوى الكبرى أدواتها المالية، وتحكم قبضتها عبر العقوبات والتكتلات وإعادة رسم خرائط النفوذ الاقتصادي. في صدارة هذا المشهد، تقف الولايات المتحدة الأميركية، تقودها عقلية متهورة يتزعمها الكاوبوي دونالد ترامب، الذي لا يؤمن بالثوابت ولا يخشى الصدام، يتعامل مع الاقتصاد كصفقة رابحة أو خاسرة لا أكثر. يشعل الحروب التجارية مع الصين وأوروبا، ويزعزع ثقة الأسواق العالمية بالدولار، عملة العالم الأولى، عبر قرارات عنيفة وسياسات انعزالية تزيد من مخاوف الركود والانكماش. وفي ظل هذه الفوضى الاقتصادية الدولية، يتوهج الذهب كأنه نجم في سماء حالكة. المستثمرون يهرعون نحوه باعتباره درعًا واقيًا من تقلبات السوق، بينما تنهار ثقة العالم بالورقة الخضراء شيئًا فشيئًا. كلما توغل الدولار في نزيفه، كلما ازداد بريق الذهب لمعانًا، وكأننا أمام تبادل صامت للأدوار بين زمنين، زمن الدولار الذي يتراجع، وزمن الذهب الذي يعود ليحكم قبضته لكن ماذا عن البلدان النامية؟ ما هو موقعها من هذه العاصفة المالية؟ وكيف يمكن أن تنجو من آثار هذا الزلزال؟ هنا تبدأ الأسئلة الصعبة، وتحديدًا عندما ننظر إلى الأردن، الدولة التي ترتبط عملتها الوطنية، الدينار الأردني، بالدولار الأميركي بسعر صرف ثابت منذ سنوات. الفرص في زمن التراجع الأميركي إذا ما شهد الدولار الأميركي انخفاضًا حادًا في قيمته، فقد تجد الدول المرتبطة به فرصًا محدودة لكنها ممكنة. من أبرز تلك الفرص، تحسين القدرة التنافسية للصادرات الأردنية، فضعف الدولار يعني ضعف الدينار المقابل، ما قد يجعل المنتجات الأردنية أكثر جاذبية في الأسواق الخارجية من حيث السعر. كذلك، قد تنخفض كلفة بعض السلع والخدمات القادمة من دول تعتمد عملات غير الدولار، مما يخلق مجالًا لتنوع الشركاء التجاريين وتخفيف الهيمنة الأميركية على مفاصل الاقتصاد الوطني.
الخطر أكبر من الفرصة غير أن هذه الفرص، وعلى محدوديتها، لا تخفي الوجه الآخر الأكثر خطورة. فالأردن يعتمد على الدولار في احتياطاته النقدية، وفي غالبية التبادلات التجارية، وفي تقييم ديونه الخارجية. أي انخفاض في قيمة الدولار يعني تآكلًا في قيمة هذه الاحتياطات، وارتفاعًا في كلفة الديون المقومة بعملات أخرى، وتذبذبًا في استقرار السوق المحلي، فضلًا عن الضغط المحتمل على السياسة النقدية للبنك المركزي الأردني. إضافة لذلك، فإن التحول في موازين القوى الاقتصادية العالمية سيؤثر على شكل المساعدات والتحالفات والتدفقات الاستثمارية، ما قد يجعل البلدان النامية، ومنها الأردن، تقف في منتصف العاصفة، لا تعرف إلى أي قطب تنحاز، ولا كيف تتفادى الانهيار دون خسارة علاقاتها التقليدية. العالم يعاد تشكيله من جديد ما يحدث ليس مجرد تقلب اقتصادي، إنها لحظة إعادة تشكيل العالم من جديد. أقطاب جديدة تنشأ، تكتلات اقتصادية تظهر وتتحالف، قوى صاعدة مثل الصين والهند تحاول أن تفرض واقعًا مغايرًا، والبشرية بأسرها تدخل في مرحلة مخاض عسير، قد تفضي إلى نظام اقتصادي عالمي مختلف كليًا عن ذاك الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. في هذه المرحلة، يصبح لزامًا على الدول النامية أن تعيد تقييم خياراتها، أن تخرج من عباءة التبعية العمياء، وأن تبدأ في بناء استراتيجيات تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الإنتاجية المحلية، وتحرير القرار الاقتصادي من قبضة الخارج. ختامًا.. الأردن بين المطرقة والسندان الأردن، بموارده المحدودة، وموقعه الجيوسياسي الحرج، ليس بمنأى عن كل هذا الجنون العالمي. لكنه في الوقت ذاته يملك أدوات للبقاء إن أحسن استخدامها. العقلانية، المرونة، التنويع، والقرارات الشجاعة ستكون السلاح الحقيقي في مواجهة العاصفة. أما انتظار ما ستؤول إليه الأمور دون خطة واضحة، فهو رهان خاسر في لعبة الكبار التي لا ترحم الضعفاء. هذا زمن الذهب، لا زمن الورق، زمن الاقتصاد المتحول لا الثابت. فهل نحن مستعدون؟ الكاتب - محمد متعب احمد الفريحات
بقلم - محمد متعب احمد الفريحات
في لحظة فارقة من عمر هذا الكوكب، يشهد العالم تحولات اقتصادية حادة تعكس في جوهرها صراعًا يتجاوز حدود المال والذهب والعملات، إلى صراع وجودي بين قوى تتنازع الهيمنة على القرار العالمي. فمن جهة، يرتفع سعر الذهب بجنون لافت، يتجاوز كونه مجرد أداة للادخار أو ملاذًا آمنًا، ليغدو مؤشرًا صريحًا على اهتزاز الثقة بالأنظمة النقدية التقليدية وعلى رأسها الدولار الأميركي. ومن جهة أخرى، يبدو العالم وكأنه يخطو بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة، لكنها ليست حربًا نووية أو عسكرية تقليدية، إنها حرب تجارية بامتياز، تحشد لها القوى الكبرى أدواتها المالية، وتحكم قبضتها عبر العقوبات والتكتلات وإعادة رسم خرائط النفوذ الاقتصادي. في صدارة هذا المشهد، تقف الولايات المتحدة الأميركية، تقودها عقلية متهورة يتزعمها الكاوبوي دونالد ترامب، الذي لا يؤمن بالثوابت ولا يخشى الصدام، يتعامل مع الاقتصاد كصفقة رابحة أو خاسرة لا أكثر. يشعل الحروب التجارية مع الصين وأوروبا، ويزعزع ثقة الأسواق العالمية بالدولار، عملة العالم الأولى، عبر قرارات عنيفة وسياسات انعزالية تزيد من مخاوف الركود والانكماش. وفي ظل هذه الفوضى الاقتصادية الدولية، يتوهج الذهب كأنه نجم في سماء حالكة. المستثمرون يهرعون نحوه باعتباره درعًا واقيًا من تقلبات السوق، بينما تنهار ثقة العالم بالورقة الخضراء شيئًا فشيئًا. كلما توغل الدولار في نزيفه، كلما ازداد بريق الذهب لمعانًا، وكأننا أمام تبادل صامت للأدوار بين زمنين، زمن الدولار الذي يتراجع، وزمن الذهب الذي يعود ليحكم قبضته لكن ماذا عن البلدان النامية؟ ما هو موقعها من هذه العاصفة المالية؟ وكيف يمكن أن تنجو من آثار هذا الزلزال؟ هنا تبدأ الأسئلة الصعبة، وتحديدًا عندما ننظر إلى الأردن، الدولة التي ترتبط عملتها الوطنية، الدينار الأردني، بالدولار الأميركي بسعر صرف ثابت منذ سنوات. الفرص في زمن التراجع الأميركي إذا ما شهد الدولار الأميركي انخفاضًا حادًا في قيمته، فقد تجد الدول المرتبطة به فرصًا محدودة لكنها ممكنة. من أبرز تلك الفرص، تحسين القدرة التنافسية للصادرات الأردنية، فضعف الدولار يعني ضعف الدينار المقابل، ما قد يجعل المنتجات الأردنية أكثر جاذبية في الأسواق الخارجية من حيث السعر. كذلك، قد تنخفض كلفة بعض السلع والخدمات القادمة من دول تعتمد عملات غير الدولار، مما يخلق مجالًا لتنوع الشركاء التجاريين وتخفيف الهيمنة الأميركية على مفاصل الاقتصاد الوطني.
الخطر أكبر من الفرصة غير أن هذه الفرص، وعلى محدوديتها، لا تخفي الوجه الآخر الأكثر خطورة. فالأردن يعتمد على الدولار في احتياطاته النقدية، وفي غالبية التبادلات التجارية، وفي تقييم ديونه الخارجية. أي انخفاض في قيمة الدولار يعني تآكلًا في قيمة هذه الاحتياطات، وارتفاعًا في كلفة الديون المقومة بعملات أخرى، وتذبذبًا في استقرار السوق المحلي، فضلًا عن الضغط المحتمل على السياسة النقدية للبنك المركزي الأردني. إضافة لذلك، فإن التحول في موازين القوى الاقتصادية العالمية سيؤثر على شكل المساعدات والتحالفات والتدفقات الاستثمارية، ما قد يجعل البلدان النامية، ومنها الأردن، تقف في منتصف العاصفة، لا تعرف إلى أي قطب تنحاز، ولا كيف تتفادى الانهيار دون خسارة علاقاتها التقليدية. العالم يعاد تشكيله من جديد ما يحدث ليس مجرد تقلب اقتصادي، إنها لحظة إعادة تشكيل العالم من جديد. أقطاب جديدة تنشأ، تكتلات اقتصادية تظهر وتتحالف، قوى صاعدة مثل الصين والهند تحاول أن تفرض واقعًا مغايرًا، والبشرية بأسرها تدخل في مرحلة مخاض عسير، قد تفضي إلى نظام اقتصادي عالمي مختلف كليًا عن ذاك الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. في هذه المرحلة، يصبح لزامًا على الدول النامية أن تعيد تقييم خياراتها، أن تخرج من عباءة التبعية العمياء، وأن تبدأ في بناء استراتيجيات تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الإنتاجية المحلية، وتحرير القرار الاقتصادي من قبضة الخارج. ختامًا.. الأردن بين المطرقة والسندان الأردن، بموارده المحدودة، وموقعه الجيوسياسي الحرج، ليس بمنأى عن كل هذا الجنون العالمي. لكنه في الوقت ذاته يملك أدوات للبقاء إن أحسن استخدامها. العقلانية، المرونة، التنويع، والقرارات الشجاعة ستكون السلاح الحقيقي في مواجهة العاصفة. أما انتظار ما ستؤول إليه الأمور دون خطة واضحة، فهو رهان خاسر في لعبة الكبار التي لا ترحم الضعفاء. هذا زمن الذهب، لا زمن الورق، زمن الاقتصاد المتحول لا الثابت. فهل نحن مستعدون؟ الكاتب - محمد متعب احمد الفريحات
التعليقات
الذهب يلمع والدولار يترنح والعالم يتهيأ لصراع جديد .. أين موقع الأردن من المشهد؟
التعليقات